ممكن ، باعتبار أنه يفتقر إلى القابل ، فقد وفى بجهة الإمكان ، ولا يلزم أن يفتقر إلى فاعل ، بل يجوز أن يكون وجوده لنفسه وذاته ، وإن توقف على القابل. والقول بأن وجوده لذاته مع توقفه على القابل ، مما لا يتقاصر عنه قولكم : إن العقل الفعال مؤثر في إيجاد الصور الجوهرية ، والأنفس الناطقة الإنسانية بذاته ، وإن كان تأثيره متوقفا على القوابل لما تقتضيه ذاته.
ثم إنه ما المانع من أن يكون تأثير ذات واجب الوجود بالفاعلية والقابلية ، لا يتوقف على صفات وجودية حقيقية ، يلزم عنها التكثر والتسلسل ، بل على صفات إضافية أو سلبية ، تكون تابعة لذات واجب الوجود ، من غير أن يكون محلا لها أو فاعلا؟ وهذا كما قلتم في صدور الكثرة عن المعلول الأول لذات واجب الوجود ، فإنكم قلتم : إن الصادر عنه نفس وعقل وجرم ، وذلك باعتبارات متعددة لضرورة أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. فإن كانت هذه الاعتبارات صفات وجودية ، وأمورا حقيقية ، فقد ناقضتم مذهبكم ، في قولكم : الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. وإن كانت صفات إضافية أو سلبية لا توجب الكثرة والتعدد في الذات ، وهي كما قلتم مثل كونه ممكنا ، ومثل كونه يعلم ذاته ، ومبدأه ، فلم لا يجوز أن يكون مما يجب فيه اختلاف التأثير أيضا باعتبار صفات إضافية أو سلبية؟ ولو قيل لهم : ما الفرق بين الصورتين والميز بين الحالين؟ لم يجدوا إلى الخلاص عن ذلك سبيلا؟.
وعلى ما ذكرناه من التحقيق هاهنا يندفع ما ذكروه أيضا وإن نزل الكلام في الصفات على جهة الإمكان دون الوجوب.
وما قيل من أن القدم أخص وصف الإلهية ، فإن أريد به أنه خاص بالله ـ تعالى ـ على وجه لا يشاركه غيره من الموجودات فيه ، فلا مرية فيه. وإن أريد به أنه غير متصور أن يعم شيئين ، ولو كانا داخلين في مدلول اسم الإلهية ، فكفي به في الإبطال كونه مصادرة على المطلوب. وهو لا محالة أشد مناقضة لمذهب الخصم ، إن كان ممن يعترف بكون المعدوم شيئا ، وأنه ذات