وأما الإيمان :
فهو في اللغة عبارة عن التصديق ، ومنه قول بني يعقوب : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف : ١٢] ، أي بمصدق ، وفي عرف استعمال أهل الحق من المتكلمين عبارة عن التصديق بالله وصفاته وما جاءت به أنبياؤه ورسالاته ، وإليه الإشارة بقوله عليهالسلام : «الإيمان هو التصديق بالله وباليوم الآخر كأنك تراه» (١) فمن وفقه الله لهذا التصديق وأرشده إلى هذا التحقيق فهو المؤمن الحق عند الله وعند الخلق ، وإلا فقد شقي الشقاوة الكبرى ، وحكم بكفره في الدنيا والأخرى ؛ لأن الكفر وإن كان في اللغة عبارة عن التغطية والستر ، فهو في عرف أهل الحق من المتكلمين عبارة عن : الستر والتغطية للقدر الذي يصير به المؤمن مؤمنا لا غير ، وليس الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ، كما زعمت الكرامية ، ولا إقامة العبادات والتمسك بالطاعات كما زعمت الخارجية ؛ فإنا نعلم من حال النبي صلىاللهعليهوسلم عند إظهار الدعوة أنه لم يكتف من الناس بمجرد الإقرار باللسان ، ولا العمل بالأركان مع تكذيب الجنان ، بل كان يسمى من كانت حاله كذلك كاذبا ومنافقا ، ومنه قوله تعالى تكذيبا للمنافقين عند قولهم : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] ، ومنه أيضا شهادة الكتاب العزيز بكذبه ، وسلب إيمانه في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨] ، وما ورد في الكتاب والسنة وأقوال الأمة في ذلك أكثر من أن يحصى.
ثم لا يخفى قبح القول بأن الإيمان مجرد الإقرار باللسان ؛ من حيث إفضائه إلى تكفير من لم يظهر ما أبطنه من التصديق والطاعة ، وامتناع
__________________
(١) أنظره في شرح الطحاوية (٢٣٣) وهو جزء من حديث عمر المتفق عليه من سؤال جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان والإحسان.