استحقاقه للشفاعة والحكم ، بنقيضه لمن أظهر ضد ما أبطن من الكفر بالله تعالى ورسوله ، والطغاوة في الدين ، والعداوة للمسلمين ، بل أشد قبحا منه جعل الإيمان مجرد الإتيان بالطاعات ، والتمسك بالعبادات ؛ لما فيه من الإفضاء إلى هدم القواعد السمعية ، وحل نظام الأحكام الشرعية ، وإبطال ما ورد في الكتاب والسنة ، من جواز خطاب العاصي بما دون الشرك ، قبل التوبة بالعبادات البدنية ، وسائر الأحكام الشرعية ، وصحتها منه أن لو أتى بها ، وبإدخاله في زمرة المؤمنين ، وإدراجه في جملة المسلمين ، حتى إنه لو مات فإنه يغسل ويصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين ، ولو لم يكن مؤمنا لما جاز القول بصحة ما أتى به من العبادات ، ولا غير ذلك مما عددناه.
وبهذا يتبين أيضا فساد قول الحشوية : إن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان ، نعم ، لا ننكر جواز إطلاق اسم الإيمان على هذه الأفعال ، وعلى الإقرار باللسان ، كما قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] ، أي صلاتكم ، وقوله عليهالسلام : «الإيمان بضع وسبعون بابا أولها شهادة أن لا إله إلا الله ، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق» (١) لكن إنما كان ذلك لها من جهة أنها دالة على التصديق بالجنان ظاهرا ، والعرب قد تستعير اسم المدلول لدليله ، بجهة التجوز والتوسع ، كما تستعير اسم السبب لمسببه ، فعلى هذا مهما كان مصدقا بالجنان ، على الوجه الذي ذكرناه ، وإن أخل بشيء من الأركان فهو مؤمن حقا ، وانتفاء الكفر عنه واجب ، وإن صح تسميته فاسقا بالنسبة إلى ما أخل به من الطاعات وارتكب
__________________
(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٢ / ٨٧١) ، (٢٣٣٥) ، (٥١٥٣) ، ومسلم (٣٥) ، (١ / ٥٣) وابن خزيمة في صحيحه (٢ / ٢٧٦) ، وابن حبان (١ / ٣٨٤ ، ٣٨٨) ، ٤٠٧) والترمذي (١٩٥٨) ، وأبو داود (٢٨٤٠) (٤٦٧٦) ، والنسائي (٥٠٠٤) ، (٨ / ١١٠) ، وابن ماجه (٥٧) ، (٣٦٨١) ، وأحمد (٢ / ٣٧٩ ، ٤١٤ ، ٤٤٥) ، والبيهقي في الشعب (١ / ٣٣ ، ٣٤).