ما يدل على أن المغفرة والشفاعة لا تحصل إلا أن تتعلق المشيئة بمغفرته ، وإلا لما كان لتخصيص المغفرة بحالة المشيئة معنى ، وذلك مما يوجب خلود بعض المذنبين وهو خلاف ما تعتقده.
قلنا : أما ما ذكروه من جهة التخصيص ، فحمل دلالة الآية عليها ممتنع ، وذلك أن العفو والغفران حالة التوبة عندهم واجب جزم ولازم حتم ، وهو مما يمنع تعليقه بالمشيئة ، وأيضا فإنه فرق في الآية بين المعصية بالكفر وغيره في حالة التوبة ، فالفرق غير متحقق لا محالة ، فلو صح ما ذكروه من جهة التخصيص ، لم يلزم تخصيص عموم الآية ، بما دون الكفر من المعاصي ، وتأويل الظواهر لما ذكروه من الظواهر كيف وأن ما ذكروه من الظواهر فمنهم من قيدها بفعل الكبائر دون الصغائر ، ومنهم من زادها تقييدا حتى اشترط في ذلك زيادة مقدار الكبيرة على ما له من الحسنات ، وبالجملة فلا ريب في تخصيصها بما بعد التوبة ، وليس شيء من ذلك متحققا فيما ذكرنا من الظواهر ، فالمحافظة عليه يكون أولى ، لا سيما وأن ما من ظاهر أبدوه إلا وقد اقترن بما يدل على تخصيصه بما نذكره ، فإن مخالفة جميع الحدود وتعديها ، وإحاطة الخطيئة من كل وجه ، إنما يتحقق في حق الكافر دون المسلم ، وكذلك اللعنة والغضب في حق من قتل إنما يتحقق في حق من كان لذلك مستحلا معتقدا.
وبما حققناه يقع التقصي عن كل ما يهول به من هذا القبيل ، وليس في تعليق الغفران لما دون الكفران بالمشيئة ما يوجب امتناع وقوع الغفران بالنسبة إلى جملة المذنبين بما دون الشرك ، ولا يلزم منه مخالفة شيء من الآية أصلا ؛ لجواز تعلق المشيئة بالمغفرة للجميع.
فإن قيل ، فإن استمر لكم في هذه الظواهر ما ذكرتموه من التأويلات ، واستقام ما أشرتم إليه من التخصيصات ، فكيف يحمل قوله عليهالسلام : «لا ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي» على معصية الكفر مع أنه قد أدرجهم