فإن الواحد منا لا يشعر بأن له أكثر من واحدة ، وهي المدبرة له ، فلو كان لنا نفسان لقد كنا نشعر بهما وبتدبير كل واحدة منهما ، فإنه لا معنى لوجود النفس في البدن إلا أنها مدبرة له ومشغولة بالنظر في أحواله ، لا بمعنى أنها فيه منطبعة على نحو انطباع الأعراض في الأجسام.
وهو غير سديد ، فإن البدن ، وإن استحق لذاته نفسا ، فاجتماع نفسين فيه إنما يلزم أن لو كان ما يستحقه يجب أن يكون بدء وجوده مع وجوده غير منتقل إليه من بدن آخر ، وذلك مما لا يسلمه الخصم بل له أن يقول : البدن ـ وإن استحق لذاته نفسا تدبره فلا مانع من أن تكون هي ما انتقلت إليه من البدن الآخر ، وذلك لا يفضي إلى اجتماع نفسين أصلا ، ولا خلاص منه ، فإذا الطريق العقلي اللائق بالمنهج الفلسفي أن يقال : لو قيل بانتقال النفس من بدن إلى بدن ، فلا بد وأن تكون موجودة فيما انتقلت عنه أولا ، وإلا فوجودها لا محالة مع وجود ما قيل إنها منتقلة إليه. وإذا كانت موجودة في البدن الأول فإما أن يكون اختصاصها به لمخصص ، أو لا لمخصص : فإن كل لا لمخصص فليس هو بها أولى من غيره ، وإن كان لمخصص فلا بد وأن يكون تخصصها بما انتقلت إليه أيضا بمخصص ، كما كان اختصاصها بالأول لمخصص ، وعند هذا فالمخصص لها بكل واحد من البدنين ، إما أن يكون واحدا أو مختلفا : فإن كان واحدا فلا يخفى أن فرض وجود البدنين معا جائز ، وإن استحال وجودهما معا بالفعل من حيث إن أحدهما متقدم والآخر متأخر ، وعند فرض اجتماعهما إما أن توجد تلك النفس لهما أو لأحدهما ، لا جائز أن تكون لهما لما سبق ، ولا جائز أن تكون لأحدهما لعدم الأولوية.
وعلى هذا التقسيم إن كان المخصص مختلفا ؛ فإنه إذا فرض وجود البدنين معا فإما أن تكون النفس لهما أو لأحدهما : لا جائز أن تكون لهما لما سبق ، وإن كانت لأحدهما فالذي أوجب تخصصها ليس ذلك له أولى من إيجابه لتخصصها بالبدن الآخر ، مع اتحاد النفس وفرض تساوي البدنين في