جهة الإمكان لا تقوم إلا بمادة ، والنفس ممكنة الوجود ولا محالة. فإذا قد ظهر امتناع دلالة العقل على بقاء النفس بعد فوات البدن.
ثم ولو قدر بقاؤها بعد فوات البدن عقلا ، كما ثبت ذلك سمعا بقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) [آل عمران : ١٦٩] ، وقوله عليهالسلام «إن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر معلقة تحت العرش» (١) وقد بان لها من النعيم والألم بعد المفارقة نحو ما تخيلوه ، فليس بمستبعد عقلا ولا شرعا ؛ إذ ليس فيه تناقض عقلي. ولا محذور شرعي ، والأمر فيه قريب ، والخطب فيه يسير. وإنما الداهية الدهياء ، والمصيبة الطخياء ، استنهاك جانب الشرع المنقول ، والرد لما جاء به الرسول ، من حشر الأجساد ، وما أعد لها من النعيم والألم في المعاد ، وإنكار الجمع في الشقاء والنعيم بين الجسمية والروحانية ؛ من غير دليل عقلي ، ولا نقل سمعي ، استند إليه من أنكر بعث الأجساد ، وأحكامها في المعاد ، فمبني على فاسد أصلهم في القول بالقدم ، وقد أبطلناه بما فيه كفاية.
وأما التناسخية :
فقد سلكت الفلاسفة في الرد عليهم مسلكا ، وهو أنهم قالوا : كل بدن فإنه مستحق لذاته نفسا تدبره ، وتنظر في أحواله ، وتوجد عند وجوده بشوق جبلي ، وميل طبيعي ، على نحو ميل الحديد إلى المغناطيس ، فلو صح التناسخ وانتقال نفس من بدن إلى بدن لأدى إلى اجتماع نفسين في بدن واحد وهي النفس التي يستحقها لذاته والنفس التي انتقلت إليه من غيره. وذلك محال ؛
__________________
(١) صحيح : أورده ابن كثير في تفسيره (١ / ١٩٨) (٤ / ٣٠٢) ، والمناوي في فيض القدير (١ / ٥٣٨) ، ورواه ابن مبارك في الجهاد (٢ / ٢٥٠) (٢٠١). رواه أحمد في الزهد (١ / ١٢٠) ، وابن مبارك في الجهاد (١ / ٦٠ ، ٢١٦) (٢ / ٥١٠ ، ٥١٩) ، وابن منده في الإيمان (١ / ٤٠١) ، والحافظ في الإمتاع (ص ٨٢) ، وابن أبي الدنيا في المتمنين (٥) (ص ٢٣).