وأما الأبدان فإنهم قضوا باستحالة إعادتها ، وزعموا أن ذلك مما يفضي إلى القول بوجود أبعاد وامتدادات لا تتناهى ؛ لضرورة وجود أجسام لا تتناهى ، وبنوا على ذلك فاسد أصلهم في القول بالقدم ، واستحالة سبق ما تجدد من الأبدان بالعدم. وما ورد به السمع من حشرها وأحكام معادها ، فإنما كان ذلك لأجل الترغيب والترهيب بما يفهمونه ويعقلونه لأجل صلاح نظامهم ، وإلا فلا بد من تأويل على نحو تأويل أخبار الصفات وما ورد فيها من الآيات ؛ جمعا بين قضيات العقول. وما ورد به الشرع المنقول.
وأما التناسخية : فإنهم وافقوا الفلاسفة في القول بوجوب بقاء الأنفس بعد مفارقة الأبدان ، لكنهم زعموا أنه لا قوام لها بعد مفارقة بدنها إلا ببدن آخر ، كما أنه لا وجود لها قبل البدن ، فالأبدان تتناسخها أبدا سرمدا ، وعلى حسب عملها يكون ما تنتقل إليه ، فإنها إن عملت على مقتضى جوهر النفس الناطقة انتقلت إلى بدن نبي أو ولي ، وإن عملت على مقتضى جوهر النفس الحيوانية انتقلت إلى بدن حيوان آخر من فرس أو حمار أو غيره ، وهكذا لا تزال في الانتقال ، والارتفاع والانخفاض ، وليس ثم حشر ولا معاد ، ولا جنة ولا نار ، ولا غير ذلك مما ورد به الرسول ، ومذهب أهل الحق : من الإسلاميين القول بالحشر والنشر وعذاب القبر ، ومساءلة منكر ونكير ، ونصب الصراط والميزان ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب. وقبل الخوض في ذلك بالتفصيل يجب تقديم النظر في إبطال مذاهب أهل التعطيل (١).
__________________
(١) ولقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف ، وأكثرهم بعد ظهوره : على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ، ومسألة الملكين لهم ، وتسمية أحدهما منكرا ، والآخر نكيرا ، وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين ، والكافرين. وذهب أبو الهذيل ، وبشر بن المعتمر : إلى أن من ليس بمؤمن ، فإنه يسأل : ويعذب فيما بين النفختين أيضا. وذهب الصالحي من المعتزلة ، وابن جرير الطبري ، وطائفة من الكرامية إلى تجويز ذلك على الموتى في قبورهم من غير إحياء لهم. وذهب بعض المتكلمين إلا الآلام