وأما إن كان مجهولا غير معلوم فالجزم بنفيه متعذر ، لعدم الدليل المفضي إليه. وليس هذا مما ينقاس في طرف النقيض ، فإن من حصلت عنده المواد الصادقة المقترنة بالصور الحقة التي يتولى بيانها المنطق لم يجد في نفسه جحد ما يلزم عنها ، وذلك كعلمنا بأن الأربعة زوج لعلمنا بأنها منقسمة بمتساويين ، وكل منقسم بمتساويين فهو زوج كيف وأنا نجد من أنفسنا العلم بأمور كلية حصلت لنا بعد ما لم تكن ، ولو خلينا على أصل الفطرة من غير طلب لها لم نعلمها ، فلا بد لهما من مدرك موصل على الصفات التي كانت معلومة بالقوة ، عرف أنه مطلوبه لا محالة. أما أن يكون الطلب لما علم أو جهل مطلقا فلا.
وأما القضايا البديهية فهي كل قضية يصدق العقل بها عند التعقل لمفرداتها من غير توقف على مبدأ غيرها ، فعلى هذا حصولها لنا في مبدأ النشوء إنما هو بالقوة لا بالفعل ، وعدم حصولها بالفعل إنما كان لعدم حصول مفرداتها التي لا تحصل إلا بكمال آلة الإدراك ، فإذا حصلت المفردات عند كمال آلة الإدراك بادر العقل. إذ ذلك بالنسبة الواجبة لها من غير توقف أصلا. فعلى هذا لو يلزم من عدم حصولها لنا في مبدأ النشوء بالفعل أن تكون
__________________
ـ وفرض الزيادة والنقصان فيه بخلاف مقابله ؛ لأن المحصل يعلم : أن الاعتماد على هذا الخيال في تناهي ذوات الأوضاع ، وفيما له الترتيب الطبيعي ، وآحاده موجودة معا ليس إلا من جهة إفضائه إلى وقوع الزيادة والنقصان ، بين ما ليسا بمتناهيين ؛ وذلك إنما يمكن بفرض زيادة على ما فرض الوقوف عنده من نقطة ما من البعد المفروض ، أو وحدة ما من العدد المفروض. وعند ذلك : فلا يخفى إمكان فرض الوقوف على جملة من أعداد الحركات ، والنفوس الإنسانية المفارقة لأبدانها ، وجواز فرض الزيادة عليها بالتوهم مما هو من نوعها. وإذ ذاك فالحدود المستعملة في القياس المذكور في محل الاستدلال بعينها ، مستعملة في صورة الإلزام ، مع اتحاد الصورة القياسية من غير فرق ، انظر : الأبكار : (١ / ١٤٩).