نفسه الجزم بذلك أصلا ، وكل ما ليس على هذه القضية من العلوم فليس ببديهي. وإن اكتفي في ذلك بمجرد الدعوى فقد لا تؤمن المعارضة بمثله في طرف النقيض ، وليس عنه محيص (١).
__________________
(١) أما على رأي الفلسفي : فلأنهم قالوا : لو فرضنا عللا ، ومعلولات لا نهاية لها ، فلنا أن نفرض الوقوف على الواحد منها ؛ فلو كان ما قبله فلا نهاية له ، فلو فرضنا زيادة متناهية على الجملة المفروضة ، ولتكن الزيادة عشرة مثلا. فالجملة الأولى : إما أن تكون مساوية لنفسها ـ مع فرض الزيادة المتناهية عليها ـ أو أزيد ، أو أنقص. القول بالمساواة ، والزيادة محال ؛ إذ الشيء لا يكون مع غيره ، كهو لا مع غيره ، ولا أزيد : فإن كانت الجملة الأولى ناقصة بالنظر إلى الجملة الثانية : فمن المعلوم أن التفاوت بينهما ؛ إنما هو بأمر متناه. وعند ذلك : فالزيادة لا بدّ وأن تكون لها نسبة إلى الباقي بجهة من جهات النسب على نحو زيادة المتناهي ، على المتناهي ، ومحال أن يحصل بين ما ليسا بمتناهيين النسبة الواقعة بين المتناهيين. وأيضا : فإنه إذا كانت إحدى الجملتين أزيد من الأخرى بأمر متناه ؛ فلنطبق بين الطرفين الأخيرين بأن نأخذ من الطرف الأخير من إحدى الجملتين عددا مفروضا ، ومن الأخرى مثله ، وهلم جرا. فإما أن يتسلسل الأمر إلى غير النهاية ؛ فيلزم منه مساواة الأنقص للأزيد في كلا طرفيه ؛ وهو محال. وإن قصرت الجملة الناقصة في الطرف الذي لا نهاية له ؛ فقد تناهت. والزائدة إنما زادت على الناقصة بأمر متناه ، وكل ما زاد على المتناهي بأمر متناه ؛ فهو متناه. إلا أن هذا مما لا يستقيم على موجب عقائدهم ، وتحقيق قواعدهم. حيث أنهم قضوا بأن كل ما له الترتيب الوضعي : كالأبعاد ، والامتدادات ، أو الترتيب الطبيعي ، وآحاده موجودة معا : كالعلل ، والمعلولات ؛ فالقول بعدم النهاية فيه ؛ مستحيل. وأما ما سوى ذلك ؛ فالقول بعدم النهاية فيه ؛ غير مستحيل. وسواء كانت آحاده موجودة معا : كالنفوس بعد مفارقة الأبدان ، أو هي على التعاقب والتجدد : كالأزمنة ، والحركات الدورية ؛ فإن ما ذكروه وإن استمر لهم فيما قضوا عليه بالنهاية ؛ فهو لازم لهم فيما قضوا عليه بعدم النهاية. وعند ذلك : فلا بد من بطلان أحد الأمرين : إما الدليل : إن كان اعتقاد عدم النهاية حقا. وإما اعتقاد عدم النهاية : إن كان الدليل حقا ؛ لاستحالة الجمع. وليس لما ذكره الفيلسوف المتأخر من جهة الفرق بين العلل والمعلولات ، والأزمنة والحركات ، قدح في الجمع. وهو قوله : إن ما لا ترتب له وضعا ، ولا آحاده موجودة معا ـ وإن كان ترتبه طبيعيا ـ فلا يمكن فرض جواز قبوله للانطباق ،