المطلوب ، فإن كون الشيء ضروري الوجود أهم من الضرورة الثابتة لذاته ، ومع التسليم بكونها ممكنة فما ذكرتموه ، في أن لا نهاية ، غير مستقيم : أما ما ذكرتموه في طرف التعاقب ، فغير مطرد ، وذلك أنا لو فرضنا حادثا بعد العدم فإما أن يقال : إن له قبلا كان فيه معدوما أو ليس : لا جائز أن يقال أنه لم يكن له قبل كان فيه معدوما ، وإلا لما كان له أول وهو خلاف الفرض. وإن كان له قبل هو فيه معدوم فذلك القبل إما موجود أو معدوم : لا جائز أن يكون معدوما وإلا لما كان له قبل ، إذ لا فرق بين قولنا : إنه لا قبل له ، وبين قولنا : إن قبله معدوم ، فبقي أن يكون موجودا ، ثم ما قبل يفرض إلا وهو مسبوق بقبل آخر إلى ما لا نهاية له على هذا النحو ، فإذا قد ثبت وجودات لا نهاية لأعدادها وإن كانت متعاقبة ، وكل واحد مسبوق بعدمه. وبه تبين كذب ما ذكرتموه من القياس. وأما معتمد القائلين بالإيجاد بالعلية فطريق الرد عليهم ما هو طريق لكم في الرد عليهم كما يأتي فيما بعد.
وأما ما ذكرتموه في طرف المعية ووجوب الانتهاء فيه إلى موجود وجوده لذاته. فذلك الموجود لا يخلو : إما أن يكون ممكنا أو ليس بممكن ، فإن كان ممكنا فهو من الجملة وليس بواجب ، وإن لم يكن ممكنا فما ليس بممكن ليس بواجب. وبهذا يندفع ما ذكرتموه في جانب الانتهاء إلى موجود هو مبدأ الموجودات أيضا.
والجواب : أما طريق إفحام المنكر لكون النظر مدركا أن يقال : نفي إفضاء النظر إلى العلم إما معلوم أو غير معلوم : فإن كان معلوما فإما أن يكون حصوله متوقفا على مدرك بعلم به أو ليس : فإن كان متوقفا فالمدرك إذا إما الحواس أو النظر : لا جائز أن يكون مدركه الحواس ؛ إذ هو غير محسوس ، فتعين أن يكون مدركه النظر. وإن لم يكن متوقفا على مدرك فهو بديهي ، لو كان بديهيا لما وقع الاختصاص به لطائفة دون طائفة ، كيف وأنه لو خل الإنسان ودواعي نفسه في مبدأ نشوئه ، مع قطع النظر عن النظر ، لم يجد في