والمفهوم من إطلاق اسم الواجب ليس إلا ما ذكرناه ، وما سواه فليس بمفهوم. ولا محالة أن الواجب بالاعتبار الأول غير مراد.
والثاني فقد بان أنه مستحيل في حق ـ الله تعالى ـ لانتفاء الأغراض عنه ، والثالث أيضا لا سبيل إلى القول به ، إذ الخصوم متفقون على وجوب التمكين مما كلف به العبد ، وكيف يمكن حمل الوجوب على هذا الاعتبار مع الاعتراف بتكليف أبي جهل بالإيمان ، وهو ممنوع منه ، لعلم الله ـ تعالى ـ أن ذلك منه غير واقع ، ولا وهو إليه واصل.
فإن قيل : لو لم يكن فعل واجب الوجود لغرض. مقصود ، مع أن الدليل قد دل على كونه حكيما في أفعاله ، غير عابث في إبداعه ، لكان عابثا ، والعبث قبيح ، والقبيح لا يصدر من الحكيم المطلق ، والخير المحض. وإذا لا بدّ له في فعله من غرض يقصده ومطلوب يعتمده ، نفيا للنقص عنه ، وتنزيها له ، عن صدور القبيح منه ، وما ذكرتموه من تعلق النقص والكمال به بالنظر إلى الغرض والمقصود فإنما يلزم أن لو كان ذلك الغرض عائدا إليه ، وكماله ونقصه متوقفا عليه ، وليس كذلك ، بل هو الغني المطلق واستغناء كل ما سواه ليس إلا به ، بل عوده إنما هو إلى المخلوق ، وذلك مما لا يوجب كمالا ولا نقصانا بالنسبة إلى واجب الوجود.
وإذا ثبت أنه لا بدّ من حكمة وفائدة ، ففائدة خلق العناصر والمركبات والمعدنيات وغير ذلك من الجمادات العناية بنوع الحيوان ، لأجل انتظام أحواله ، في مهماته وأفعاله ، والاستدلال بما في طيها من الآيات والدلائل الباهرات على وجود واجب الوجود ، ووحدانية المعبود.
وإليه الإشارة بقوله ـ عليهالسلام : «كنت كنزا لم أعرف فخلقت خلقا لأعرف به» (١).
__________________
(١) أورده المصنف في أبكار الأفكار (٢ / ٥٨٥) ، وهو حديث لا أصل له.