وما يلحق الإنسان من مشقة التكليف والآلام في الدنيا فبالنظر إلى ما يناله على ذلك من الثواب في العقبى قليل من كثير ، (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] ولا محالة أن فوات الخير الكثير دفعا للشر اليسير شر كثير ، والتزام الشر اليسير رعاية للخير الكثير خير كثير وفائدة خلود أهل النار في النار كفهم عن الكفر والفساد والعناد والشقاق والنفاق ، (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] من ذلك فهو الأصلح لهم ثم لا ينكر أن العلة قد تخفى وتدق عن أن تصل إليها أفهام الخلق ، كما في إماتة الأنبياء وإنظار إبليس ، وإحياء من علم كفره إلى حين البلوغ ونحوه ، فمجرد استبعاد العلة لخفائها وعدم الاطلاع عليها مما لا يفيد ، لأنه لا يلزم من عدم الاطلاع عليها القبول في نفسها.
ولا يلزم من وجوب رعاية الصلاح في حق الله ـ تعالى ـ وجوب النوافل بالنسبة إلى أفعالنا لكونها صالحة ؛ فإن رعاية ذلك بطريق الوجوب بالنسبة إلى أفعالنا مما يوجب الكد والجهد في حقنا ، ولا كذلك الباري ـ تعالى ـ فإنه قادر على نفع الغير وصلاحه ، من غير أن يلحق به جهد ولا ضرر ، فلذلك جاز القول بإيجاب الفعل الصلاح في حق الباري دون غيره. ولهذا المعنى لم نقل بوجوب رعاية الصلاح والأصلح في حق الواحد منا ، مع تمكنه منه.
وليس القول بوجوب رعاية الصلاح في حق الغائب ، بالقياس على الشاهد ؛ ليلزم ما ذكرتموه بل هو مستند إلى ما ذكرناه من إحالة صدور القبيح والعبث عن واجب الوجود كما بيناه. وما ذكرتموه من امتناع رعاية الأصلح ، فإنما يلزم أن لو لم يكن ما تجب رعايته مقدرا ومضبوطا ، وضبط ذلك وتقديره مما يعلم الله ـ تعالى ـ أن الزيادة عليه مما يوجب للبعد العتو والطغيان ، والكفران والعناد ، ولا محالة أن رعاية مثل ذلك لا يفضي إلى محال.