بلغت لعصيتني فكان احترامك هو الأنفع لك ، وانحطاطك إلى هذه الرتبة أصلح لنفسك. لكن ذلك مما يوجب احترام كل من علم الله كفره عند البلوغ ، ولا يبقى لإحياء ذلك الكافر البالغ معنى ، ولا يتجه عنه جواب.
فقد بان من هذه الجملة أن الغرض في أفعال الله ـ تعالى ـ ووجوب رعاية الصلاح والأصلح عليه مستحيل.
وما يخص رعاية الأصلح أن يقال :
مقدورات الله ـ تعالى ـ في الأصلح غير متناهية ، ورعاية ما لا سبيل إلى الوقوف فيه على حد وضابط ممتنع.
ثم ولو وجب في حقه رعاية الصلاح والأصلح للزم أن تكون الهبات والنوافل بالنسبة إلى أفعالنا واجبة لما فيها من صلاحنا ، إذ الرب ـ تعالى ـ لا يندب إلى ما لا صلاح لنا فيه ، ولا معنى للفرق في ذلك بين الغائب والشاهد أصلا. كيف وأن أصل الخصم فيما يرجع إلى وجوب رعاية الصلاح والأصلح في حق الباري ـ تعالى ـ ليس إلا بالنظر إلى الشاهد ، وهو ممتنع لما حققناه في غير موضع.
كيف وقد سلم أن الواحد منا لا يجب عليه رعاية الصلاح والأصلح في حق نفسه مع تمكنه من تحصيله ، فأنى يصح القياس على هذا الأصل ، مع تحقق هذا الفصل؟ وهل ذلك إلا خبط في عشواء؟
وإذا تحقق ما قررناه من امتناع الغرض في أفعاله ، ووجوب رعاية الصلاح والأصلح ، لزم منه هدم ما بني عليه من وجوب الثواب والعقاب والخلق والتكليف ، وغير ذلك مما عددناه من مذهبهم ، فإنه لم يقضوا بوجوبه إلا بناء على رعاية الصلاح والأصلح لا محالة.
ثم إن «الواجب» قد يطلق على الساقط ، ومنه يقال للشمس والحائط إنهما واجبان ، عند سقوطهما. وقد يطلق على ما يلحق بتاركه ضرر. وقد يطلق على ما يلزم من فرض عدمه المحال.