في العالم من الجمادات والعناصر والمعدنيات وغير ذلك من أنواع النباتات ، مع أنها لا تجد بذلك لذة ولا ألما ولا فرق لها بين كونها وأن لا كونها؟ بل وأي فائدة لنوع الحيوان في ذلك؟ أو لتكليف نوع الإنسان مع ما يجد فيه من الآلام والأوصاب والمشاق والأوجاع ، وكل ما تجد النفس من تحمله حرجا؟
وكل عاقل إذا راجع نفسه بين الوجود وأن لا وجود فإنه يود لو أنه لم يكن موجودا ، لما أعد له في الأولى والعقبى ، ولهذا نقل عن الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين التكره لذلك والتبرم به حتى إن بعضهم قال : يا ليتني كنت نسيا منسيا وقال آخر : يا ليتني لم تلدني أمي.
وقال آخر : يا ليتني لم أك شيئا.
بل وأي نفع وصلاح للعبد في خلوده في الجحيم ، وإقامته في العذاب الأليم؟ وكذا أي مصلحة في إنظار إبليس وإضلاله وإماتة الأنبياء مع هدايتهم؟ وهل من زعم أن في ذلك صلاحا أو نفعا إلا خارقا لحجاب الهيبة بارتكاب جحد الضرورة.
ثم الذي يقطع دابر هذا الخيال ويدفع هذا الإشكال إبداء ما وقع من أفعال الله ـ تعالى ـ مع تسليم الخصم ضرورة أنه لا صلاح فيه ، ولا أصلحية. وذلك أنا لو فرضنا ثلاثة أطفال ، مات أحدهم وهو مسلم قبل البلوغ وبلغ الآخران ومات أحدهما مسلما ، والآخر كافرا : فمن مقتضى أصولهم ـ على ما استدعاه التعديل ـ أن تكون رتبة المسلم البالغ فوق رتبة الصبي ، لكونه أطاع بالغا ، وتخليد الكافر في الجحيم لكونه كان عاصيا.
فلو قال الصبي : يا رب العالمين لم احترمتني دون المرتبة العلية والرفعة السنية التي أعطيتها لأخي ، ولم تمنعه إياها ، ولم أحييتني إلى حين البلوغ لأطيعك فتحصل لي هذه الرتبة؟ وأي مصلحة لي في إماتتي قبل البلوغ ، وقطعي عن هذه الرتبة؟ فلا جواب إلا أن يقول له : لأني علمت منك أنك لو