وتهيئة أسباب التكليف من إكمال العقل واستعداد الآلات للتكليف إلى غير ذلك ، والبصريون لا يرون أن شيئا من ذلك واجب ، بل ابتداؤه بفضل من الله ـ تعالى ـ وإنعام من غير تحقق ولا تحتم ولا إلزام.
ونحن الآن نبتدئ بمأخذ أهل الحق والكشف عنه ، ثم نشير بعد ذلك إلى مأخذ أهل الضلال والإنابة عن معرضها في معرض الاعتراض والانفصال.
فمما اعتمد عليه أهل التحقيق :
في هذا الطريق أن قالوا : لو كان إبداع الباري ـ تعالى ـ لما أبدعه يستند إلى غرض مقصود لم يخل : إما أن يقال بعوده إلى الخالق أو إلى المخلوق ، فإن كان عائدا إلى الخالق ، إما أن يقال بعوده إلى الخالق أو إلى المخلوق فإن كان عائدا إلى الخالق لم يخل إما أن يكون بالنسبة إليه كونه أولى من لا كونه ، أو لا كونه أولى من كونه ، أو أن كونه وأن لا كونه بالنسبة إليه سيان.
فإن قيل : إن كونه أولى من لا كونه فلا محالة أن واجب الوجود يستفيد بذلك الفعل كمالا وتماما لم يكن له قبله ، لكونه أولى بالنسبة إليه ، وتركه وأن لا يفعله نقصانا ، وذلك يوجب افتقار الأشرف إلى الأخس في إفادة كمالاته له ، وأن يكون ناقصا قبله ، ونعوذ بالله من هذا الضلال ، بل هو الغني المطلق ، وله الكمال الأتم ، والجمال الأعظم ، وهو مبدأ الكمالات ، ومنتهى المطالب والأمنيات ، وإليه الافتقار في جميع الحالات ، وليس له في فعله مطلوب يكمله ، ولا له قصد إلى ثناء أو مدح يحصله ، بل هو الغني (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠].
وإن قيل : إن لا كونه أرجح من كونه أو أنهما متساويان فالقول يجعل مثل هذا غرضا ومقصودا ، مع أنه لا فرق بين كونه وأن لا كونه ، أو أن لا كونه أولى من كونه ، من أمحل المحالات.
وإن قيل برجوعه إلى المخلوق من صلاح أو نفع فأي فائدة في خلق ما