نشاهده ، كيف وأن النور والظلمة لذاتهما متباينان فكيف يكون أحدهما طالبا للآخر؟ وإن كان ذلك باعتبار أمر ثالث فإما أن يكون من نوعهما. أو من نوع أحدهما ، أو هو نوع ثالث غيرهما. فإن كان منهما فهو دور ، فإن امتزاجهما لا يتم إلا به ، وهو لا يتم إلا بامتزاجهما. وإن كان من نوع أحدهما فليس بأصل ثالث غيرهما ، وإذ ذاك فيعود القسم الأول لا محالة. وإن لم يكن من نوعهما فهو إما بسيط أو مركب : فإن كان بسيطا فهو إما خير محض أو شر محض ، لعدم التركيب فيه ، وإذ ذاك فالصادر عنه يجب أن يكون حاذيا حذوه وقافيا أثره ، وفي ذلك امتناع وجود قسم آخر غير الشر المحض والخير المحض ، وهو ممتنع.
وأما الرد على المعتزلة :
في خلق الأعمال فهو موضع غمرة ومحز إشكال ، وهو يستدعي تقديم طرق المتكلمين ، وإيضاح الصحيح منها والسقيم ، ثم الإشارة إلى شبه المخالفين ، وبيان الفرق بين الخلق والكسب فيما بعد إن شاء الله تعالى ، فنقول : ذهب المتكلمون هاهنا إلى مسالك لا ظهور لها عند من طهرت بصيرته واتقدت قريحته.
المسلك الأول :
أنهم قالوا : لو لم تكن مقدورات العباد مخلوقة لله ـ تعالى لم يكن إلا لاستحالة مقدور بين قادرين وهو غير مستقيم ، فإنه قبل أن يقدر عبده لم يكن الفعل مقدورا للعبد ، فيجب أن يكون مقدورا للرب ، إذ الفعل في نفسه ممكن. والمانع من كونه قادرا بعد إقدار العبد إنما هو استحالة اجتماع مقدور بين قادرين ، وهذا المانع غير موجود قبل إقدار العبد. وإذا كان مقدورا للرب قبل إقدار العبد فبعد إقداره يستحيل أن يخرج ما كان مقدورا له عن كونه مقدورا ، فإنه لو خرج عن كونه مقدورا للرب بسبب تعلق القدرة الحادثة به لم يكن بأولى من امتناع تعلق القدرة الحادثة به ، واستبقاء تعلق القدرة القديمة