والآخر شرا ، وهو تناقض. وإن كان المرجح لهما أمرا خارجا عنهما فقد بطل القول بأنه لا مبدأ سواهما ، ولا مرجح إلا هما. ثم كفى بالخصم سخفا أنه لو سئل عن الدلالة على ما يعتقده ، والإبانة عما يعتمده لم يزد على قوله :
وجدنا الموجودات لا تنفك عن أن تكون ثقيلة تطلب أقصى جهة السفل ، أو خفيفة تطلب أقصى جهة العلو ، أو ذات ظل حاجبة كالأشياء الكثيفة الغليظة من الحديد والحجارة ونحوها ، أو ما هو على نقيضها من الأشياء الشفافة التي لا ظل لها كالزجاجة الصافية واليواقيت ونحوها ، وبالجملة لا ينفك عن خيرات وشرور ، ولا بد من أن نرتب على كل واحد ما يليق به ، ترتيبا للأشرف على الأشرف ، والأخس على الأخس ، وإلا كان الأخس صادرا عن الأشرف ، والقبيح صادرا عن الحسن.
وهو خلاف المعقول ، فإنه مع ما يشتمل عليه من الركاكة والتحكم بتخصيص المبدأ بالنور والظلمة لم يعلم أن مدلول اسم الشر ليس إلا عبارة عن عدم ذات أو عدم كمال ذات ، وأن الحسن والقبح ليس يستدعي إسناده إلى ما هو في نفسه ذات ووجوده حتى يلزم التثنية على ما لا يخفى.
ثم ولو كان الشر والقبح ذاتا واستدعى أن يكون مرجحه ذاتا فلا يخفى أن العالم ينقسم إلى ما هو خير محض وإلى ما هو شر محض ، وإلى ما هو خير من وجه وشر من وجه ، ولا يوصف بكونه خيرا محضا ولا شرا محضا ، ويجب من ذلك أن يكون من المبادئ ما هو خير من وجه وشر من وجه ؛ إذ الخير المحض لا يصدر عنه إلا خير محض ، والشر المحض لا يصدر عنه إلا شر محض. وإن كان ذلك إنما يحصل بامتزاجهما ، فامتزاج كل واحد منهما بالآخر وحركته إليه إما لذاتيهما أو لمعنى زائد عليهما ، كما قال فريق منهم : إن الأصول ثلاثة ، نور محض ، وظلام محض ، وأصل ثالث ليس بنور ولا ظلام ، وهو دون النور وفوق الظلام ، وهو الموجب لامتزاجهما ، والمعدل بينهما : فإن كان لذاتيهما فهو محال ، وإلا لما تصور الافتراق بينهما ، وهو خلاف ما