يرجع إلى الاستيلاء والاستعلاء.
وأما «خبر النزول» فإنه يحتمل أن يكون المراد النزول بمعنى اللطف والرحمة ، وترك ما يليق بعلو الرتبة وعظم الشأن ، والاستغناء الكامل المطلق ولهذا تقول العرب : نزل الملك مع فلان إلى أدنى الدرجات عند لطفه به ، وإحاطته بعنايته ، وانبساطه في حضرة مملكته ، وتكون فائدة ذلك انبساط الخلق على حضرة المملكة ، بالتضرع بالدعوات والتبتل بالعبادات وغير ذلك ، من الرياضات ، في تحصيل المقاصد والمطلوبات. وإلا فلو نظر إلى ما يليق بمملكته ، وعلو شأنه ، وعظمته ، لما وقع التجاسر على خدمته ، والوقوف بعتبته ، فإن العباد وعباداتهم ، من صومهم وصلاتهم ، بالنسبة إلى عظمته وجلاله دون تحريك أنملة بعض العباد ، في معرض الطاعة والخدمة لبعض ملوك البلاد ، ومن فعل ذلك فإنه يعد في العرف ـ مستهينا ومستهزئا بالمملكة ، وخارجا عن إرادة التعظيم ، فما ظنك بما هو في دون من الرتبة؟
وأما التخصيص بسماء الدنيا فمن حيث إنها أدنى الدرجات بالنسبة إلى رتبة العلى ، فلذلك جعل النزول إليها مبالغة في اللطف ، كما يقال للواحد منا : صعد إلى السماء ونزل إلى الثرى ، إذ هي أدنى الدرجات بالنسبة إلى رتبته في جانبي النزول والرفعة ، لما ذكرناه. وخصص النزول بالليالي دون الأيام ، من حيث إنها مظنة الخلوات ، ووقت التضرع والدعوات لخالق البريات. وقد قيل : إنه يحتمل أن يكون المراد بنزول الله نزول ملك لله تجوزا واستعارة ، كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي أهل القرية ، وكقوله : (الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة : ٢٠] أي أولياءه ، ويقول على لسانه ، «هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» (١)
__________________
(١) رواه البخاري (١٠٩٤) ، ومسلم (٧٥٧) ، وابن حبان (٩٢٠) ، والترمذي (٥ / ٥٢٦) ، والدارمي (١٤٧٩) ، وأبو داود (٢ / ٣٤) (١٣١٥) (٤٧٣٣) ، والنسائي في الكبرى (١٠٣١٠) (١٠٣١٤) ، وابن ماجه (١٣٦٦) ، مالك في الموطأ (٤٩٨)