خلق الإدراك في مثل تلك الحالة أيضا ، وإن نظر في ذلك إلى جهة الجواز العقلي ، فهو أيضا ما نقوله في الإدراك ، فإنه كما يجوز أن لا يخلق له الإدراك عقلا ، يجوز أن لا يدركه عقلا ، كيف وأن هذا لازم على الخصم في العلم أيضا ، فما هو عذره في العلم هو عذرنا في الإدراك.
وأما تفسير الإدراك بنفي الآفة عمن له الحياة فمما لا يستقيم ، إذ قد بينا أن الإنسان يجد من نفسه تفرقة بين الإدراكات ، وذلك لا بدّ وأن يكون بأمر زائد على الحياة وانتفاء الآفة ، وإلا لما وقع الفرق ، ثم كيف يصح أن يقال : السميع والبصير هو الذي لا آفة به ويقال لمن يسمع ويبصر وهو مئوف ناقص.
فإن قيل : ليس السميع هو من سلبت عنه الآفة مطلقا ، بل من سلبت عنه الآفة في محل السمع ، وكذا في كل إدراك على حسبه ، فهو متهافت شنيع ؛ فإن من قال : السمع هو نفي الآفة في محل السمع فكأنه قال : السميع هو من له السمع في محل السمع ، ولو قال : السميع هو من له السمع لقد كان ذلك كافيا عن ذكر المحل ، وإذا كان كافيا فكأنه قال : السميع هو الذي لا آفة به ، وإذ ذاك فرجع الكلام الأول بعينه. ثم إن العقل السليم يقضي بوهاء قول من فسر السمع والبصر بنفي الآفة ، دون العلم والقدرة وغيرها من الصفات. مع أنه لو سئل عن الفرق لم يجد عنه مخلصا ، بل كل ما تخيل من منع تفسير العلم والقدرة بانتفاء الآفة فهو بعينه في الإدراك حجة لنا.
وأما القول بأن ذلك يفضي إلى قدم المبصرات والمسموعات : فمن عرف كيفية تعلق العلم بها في القدم كما أشرنا إليه ، لم يخف عليه دفع هذا الإشكال هاهنا ، فإن تعلق السمع والبصر بمتعلقاتهما الحادثة لا يتقاصر عن تعلق العلم بمتعلقاته الحادثة ، فما به دفع الإشكال ثم به دفعه هاهنا.
وأما اشتراط البنية المخصوصة فمما لا سبيل إليه ، إذ القائل به معترف أن الإدراك قائم بجزء واحد من جملة المدرك ، وعند ذلك فلا يخفى أنه لا أثر