وذلك مما لا يدل على أن ما حصل بالبصر أو السمع خارج عن جنس العلم أو نوعه. وهو كما لو علم بطريق خاص ـ إما بالدليل أو غيره ـ أن كل منقسم بمتساويين فهو زوج واتفق أن ما في يد زيد مثلا منقسم بمتساويين ، فإنه من جهة العموم معلوم أنه زوج ، لضرورة العلم بأن كل منقسم بمتساويين زوج. وما علم بالبصر بعد ذلك ليس هو ما كان معلوما أولا ، وإنما الحاصل ثانيا هو نفس العلم بخصوصه وبكونه منقسما بمتساويين. واختلاف متعلقات العلم واختلاف طرق تحصيلها مما لا يؤثر اختلافا في نفس العلم المتعلق بها.
فالطريق في الانفصال أن يقال : الإنسان قد يجد من نفسه معنى زائدا عند السمع والبصر على ما كان قد علمه بالدليل أو الخبر ، وذلك مما لا مراء فيه كما سبق ، فالمعني بالإدراك ليس إلا هذا المعنى. وسواء سمي ذلك علما أو إدراكا ، وسواء كان متعلقه أمرا تقييديا ، أو تفصيليا ، أو معنى خاصا ، أو غير ذلك من المتعلقات ، فإن حاصل ذلك ليس يرجع إلا إلى محض الإطلاقات ومجرد العبارات ، فلا مشاحة فيها بعد فهم معانيها ، فإن ذلك مما لا يقدح في الغرض بإبطاله أو تصحيحه. وعند ذلك فلا مبالاة بمن اعتاص على فهمه قبول هذا الاعتقاد ، وشمخ أنفه عن أن ينقاد ، بعد ظهور الحقائق وانكشاف غور الدقائق ، ومن رام في الانفصال عن هذا الخيال غير ما أشرنا إليه فقد كلف نفسه شططا ، وذلك على النبيه مما لا يخفى.
وما قيل من أنه لو كان الإدراك زائدا على نفس العلم لجاز أن يكون بين يدي إنسان سليم البصر فيل لا يدركه لجواز أن لا يخلق له الإدراك به وهو محال. قلنا : ادعاء كونه محالا إما أن ينظر فيه إلى الإحالة العقلية أو العادية ، فإن كان الأول فهو استرسال لما هو غير مسلم. وإن كان الثاني فهو بعينه لا محالة لازم في خلق الإدراك ، فإنه كما يستحيل عادة انتفاء الإدراك للفيل ، عند حضوره بين يدي ذي البصر السليم ، كذا يستحيل القول بانتفاء