لاتصال محله بما جاوره ، إذ الأجسام لا يؤثر بعضها في بعض فيما يرجع إلى ما يقوم بها من الأعراض ، بل الجوهر الفرد يكون على صفته عند المجاورة به لغيره في حال انفراده ، وإذا جاز قيام الإدراك بجزء واحد في حال انفراده واتصاله لزم أن لا تكون البنية المخصوصة شرطا.
ولا يلزم على ما ذكرناه الاجتماع ، وسائر الأعراض الإضافية ، حيث إنها تقوم بالجوهر عند إضافته وضمه إلى غيره ، ولا تقوم به عند انفراده ، لأنا نقول : الكون القائم بكل جرم في حالة الاجتماع هو بعينه قائم في حالة الافتراق مطلقا ، والمختلف إنما هو الأسماء ، فإن ما هو قائم عند ضميمة غيره إليه يسمى اجتماعا ، وبعد الافتراق لا يسمى كذلك. وإن سلم أنه لا يبقى لكنه غير لازم ، وذلك أن الصفات العرضية منها ما يقتضي لذاته الضم والاجتماع بين المحال كبعض الأمور الإضافية ، ومنها ما لا يقتضي ذلك كما في السواد والبياض ونحوه مما ليس بصفة إضافية. ولا يلزم من كون الصفات الإضافية على ما ذكر أن يكون غيرها مثلها ، ولا يخفى أن الإدراك ليس من ذلك القبيل المفتقر إلى الجمع والضم في الأجرام.
ومما يدل على أن الإدراك غير مفتقر إلى البنية ـ ويخص البصريين القائلين بكون الباري مدركا ـ أن يقال : لو كانت البنية شرطا لوجب طردها شاهدا وغائبا ، كما ذهبوا إليه ، واعتمدوا عليه ، في الاشتراط ، ولو كان كذلك لوجب كون الباري ذا بنية مخصوصة ، لضرورة الاعتراف بكونه مدركا ، وإذا ذاك فينقلب الإلزام ، وتتساوى فيه الأقدام.
فإن قيل : اشتراط البنية إنما هو في حق المدرك بإدراك فلا يلزم البنية في حقه تعالي ، فانظر إلى هؤلاء كيف ساقهم الغي إلى كشف عوراتهم ، وإبداء زلاتهم ، ومناقضة أصولهم ، ومخالفة رسومهم ، وتحملهم بالجهالة فيما لا يعلمون ، وإصرارهم على الباطل فيما يقولون ، حيث إنهم جعلوا الحياة شرطا في الشاهد ، لكون العالم عالما بعلم ، ثم طردوا ذلك في حق الغائب ، حتى قالوا