والشم : عبارة عن قوة مرتبة في زائدتي مقدم الدماغ من شأنها إدراك ما يتأدى إليها بتوسط الهواء من الأراييح.
والذوق : عبارة عن قوة مرتبة في العصبة البسيطة على السطح الظاهر من اللسان من شأنها إدراك ما يراد عليها من الطعوم يتوسط ما فيه من الرطوبة الغذائية.
واللمس : عبارة عن قوة منبثة في كل البدن من شأنها إدراك ما يرد عليه من خارج ، من الكيفيات الملموسة وهي الحرارة والبرودة واليبوسة ،
وإذا لم يكن في الإدراك بد من الآلات والأدوات امتنع القول بثبوتها في حق الباري ـ تعالى ، كيف وأن ما ذكرتموه ينتقض عليكم بباقي الإدراكات وغيرها من الكمالات ـ كما سلف؟
والجواب :
أما ما قيل من أن السمع والبصر ليسا بزائدين على نفس العلم : فقد قال بعض الأصحاب في الجواب هاهنا : إنه لو لم يكن كذلك وإلا لما وقعت التفرقة بين ما علم بالبرهان أو الخبر ، وبين ما حصل بالعين والبصر ، ولا محالة أن هذه التفرقة مما يشهد بصدقها نظر ذوي الألباب ، فإنكارها مما لا سبيل إليه إلا عن جحد أو عناد.
لكنه مما لا ثبوت له على محك النظر ، إذ الخصم يقول ـ وإن سلم التفرقة ـ بمنع عودها إلى العلم والإدراك. بل ما تشعر به النفس عند الخبر اليقيني بأن زيدا مثلا على صورة كذا أو كذا ، ليس يختلف عند النظر والمشاهدة بالبصر ، وإنما الاختلاف والتفرقة عائدان إلى نفس المحل ، الذي هو واسطة حصول العلم ، من البصر وغيره ، أو إلى الجملة والتفصيل ، أو الإطلاق والتقييد ، أو العموم والخصوص ، وبالجملة إلى المحل الذي هو متعلق العلم في الحالتين ، وذلك بأن يكون ما حصل بالبصر أو السمع مفصلا ، أو مقيدا ، أو خاصا ، وما حصل بالبرهان والخبر لم يكن إلا مجملا أو مطلقا أو غير ذلك.