لكون الباري ـ تعالى
ـ عالما ، وبم الإنكار على الكعبي حيث ذهب إلى أن السمع والبصر ليسا بزائدين على
نفس العلم لا شاهدا ولا غائبا؟ بل المدرك المسموع والمبصر هو السامع المبصر بعلمه.
لا بحاسته التي كان حصول هذا العلم بواسطتها ، وهي المعبر عنها بالسمع والبصر ،
كيف وأنه لو كان المدرك مدركا بإدراك زائد على العلم ، لجاز أن يكون بين يدي
الإنسان سليم البصر والسمع ، مرئيات وأصوات ، وهو لا يراها ولا يسمعها لجواز أن لا
يخلق له إدراكها ، والأمر بخلافه ، ثم لو سلم أن الإدراك ليس هو نفس العلم فبم
الإنكار على الجبائي في قوله : إن المدرك هو الحي الذي لا آفة به ولا نقص ، وأنه
لا معنى له إلا هذا السلب؟
ثم لو سلم أنه
معنى إيجابي وأمر إثباتي ، لكنه مما يمتنع ثبوته في حق الباري ـ تعالى ـ من حيث
إنه لا يخلو أن يكون قديما أو حادثا لا جائز أن يكون حادثا ، وإلا كان الباري محلا
للحوادث ، وهو ممتنع. ولا جائز أن يكون قديما ، وإلا للزم أن يكون له مسموع ومبصر
في العدم ، إذ السمع والبصر من غير مسموع ومبصر محال ، وذلك يفضي إلى القول بقدم
العالم ، أو أن يكون ما فيه مسموعا ومبصرا في العدم ، وكلا الأمرين محال. وأيضا
فإنه إما أن يشترط البنية المخصوصة للإدراك أو ليس ، فإن اشترط فإثبات الإرادة
للباري يوجب له البنية المخصوصة ، وهو متعذر ، والقول بعدم الاشتراط ممتنع أيضا ،
إذ يلزم منه الالتباس بين الإدراكات ، وأن تكون حاسة واحدة مدركة بإدراكات مختلفة
، وهو ممتنع ، فإن البنية المخصوصة لا بد منها ، فالسمع : هو قوة مرئية في العصبة
المنبسطة في السطح الباطن من صماخ الأذن ، من شأنها أن تدرك الصوت المحرك للهواء
الراكد ، في مقعر صماخ الأذن ، عند وصوله إليه بسبب ما.
والبصر
: هو عبارة عن قوة
مرتبة في عصبة مجوفة من شأنها أن تدرك ما ينطبع في الرطوبة الجليدية من أشباح صور
الأجسام بتوسط المشف.