في وجود شيء ونفيه ، إذ القواطع لا تتوارد على شيء ونقيضه ، وكم من وقع له التناقض في نظره ، حتى إنه حكم بشيء بعد ما حكم بمقابله. وكذلك كم من شيء اختلف العقلاء فيه ، ولم يظفر ولا واحد منهم بمقصود ، أو ظفر به واحد دون الباقين. ولا كذلك ما ذكروه من المثال. فإن وقوع مثل ذلك فيه مما يستحيل ، بالنظر إلى حكم جري العادة به. ثم ولو سلم الحصر فلا بد وأن يتعرض لإبطال تأثير كل واحد واحد على الخصوص وإبطال تأثيره في كل رتبة تحصل له من إضافته إلى غيره ، وذلك مما يعز ويشق ولا محالة. وما وقعت الإشارة به في إبطال غير المستبقي ، فهو بعينه لازم في المستبقي ، فإنه منتقض بباقي أعضاء الإنسان وأعضاء غيره من الحيوان ، فإنها حية مع انتفاء السمع والبصر وانتفاء أضدادهما أيضا.
ثم إنه وإن لم يكن الحكم لغير ما عين من الأوصاف ، لكن من الجائز أن يكون ذلك باعتبار الشيء الموصوف ، ومهما لم يتبين أن الموصوف به في محل النزاع هو الموصوف به في محل الوفاق لم يلزم الحكم ، وهذا كله لا محيص عنه ، فقد بان أن ما استروح إليه غير يقينيّ ، وإن كنا لا ننكر كونه ظنيا ، فالمطلوب ليس إلا اليقين.
ولربما استند بعض الأصحاب هاهنا إلى السمعيات دون العقليات ، والمحصل يعلم أن كل ما يتمحل من ذلك فغير خارج عن قبيل الظنيات والتخمينات ، وذلك لا مدخل له في اليقينيات وسيأتي إشباع القول في ذلك إن شاء الله ـ تعالى ـ.
فإذا السبيل في الدليل هاهنا ليس إلا ما أشرنا إليه في مسألة الإرادة ، وقد عرفت وجه تحقيقه وما يلزم عليه ، لكن ربما زاد الخصم هاهنا تشكيكات وخيالات لا بدّ من الإشارة إليها ، والتنبيه على وجه الانفصال عنها.
فمن ذلك قوله : إن ما ذكرتموه إنما يستقيم أن لو ثبت أن السمع والبصر إدراكان زائدان على نفس العلم ، وإلا فلا نقص إدراك ولا قصور ،