فقال أبو بكر ما يعلم بذلك.
قالت : أم أيمن (١) تعلم ، وتشهد لي بذلك ، وقد قال رسول الله : «إنها من أهل الجنة».
فجاءت أم أيمن فشهدت لها بذلك ، فرد أبو بكر فدك عليها وكتب لها بذلك كتابا ، فخرجت فاطمة من عند أبي بكر والكتاب معها ، فلقيها عمر بن الخطاب. فقال لها : من أين أقبلت يا بنت محمد (٢)؟.
قالت : جئت من عند أبي بكر سألته أن يرد عليّ فدكا ، وشهدت عنده أم أيمن أن رسول الله أعطانيها ، فردها عليّ أبو بكر وكتب لي بذلك كتابا.
فقال لها عمر : أريني الكتاب. فدفعته إليه فأخذه عمر ، وتفل عليه ومحا ما فيه ، وقال : إن رسول الله قال : «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو للمسلمين».
فرجعت فاطمة باكية حزينة (٣).
__________________
(١) هي أم أيمن الحبشية ، اسمها بركة ، مولاة رسول الله وحاضنته ورثها من أبيه ثم أعتقها عند ما تزوج بخديجة ، تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي فولدت له أيمن ثم تزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد ، قال الواقدي : ماتت في ولاية عثمان. انظر : الاستيعاب (٤ / ٣٥٦ ت ٣٢٨٧ ، ٣٥٥٧) ، الإصابة (ت ١١٩٠٢) ، أسد الغابة (ت ٧٣٧١) ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنها من أهل الجنة» ، حديث أخرجه ابن سعد في الطبقات (٨ / ٢٢٤) ، الذهبي في سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥) ولفظه : «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن».
(٢) نهاية الصفحة [١٩ ـ أ].
(٣) الخبر أورده ابن أبي الحديد المعتزلي بروايات عدة ، انظر شرح نهج البلاغة (٤ / ٨٢٤) وما بعدها إضافة إلى المصادر المشار إليها في خبر فدك سابقا ، وترجمة الزهراء عليهاالسلام. أما الحديث فقد أخرجه المتقي الهندي في منتخبه (٤ / ٥٠٠) ، عن أبي بكر وعزاه لأبي القاسم البغوي وأبو بكر في الغيلانيات ، كما أخرجه ابن عساكر في تأريخه ، وراجع الحاشية الخاصة بفدك سابقا ـ كتب الحديث ، قال في شرح النهج : إن الخبر الذي احتج به أبو بكر يعني قوله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» لم يقتصر على روايته هو وحده حتى استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن فشهدوا به ، فكان لا يحل لأبي بكر وقد صار الأمر أن يقسم التركة ، وقد خبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنها صدقة وليست بميراث ، وأقل ما في هذا الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد ... إلخ ، انظر : شرح نهج البلاغة (٤ / ٨٤٢) وما بعدها. وقال الأستاذ محمود أبو رية : (بقي أمر لا بد من أن نقول فيه كلمة صريحة ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها وما فعل معها في ميراث أبيها لأننا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي وأنه قد ثبت أن النبي قد قال : إنه لا يورث وأنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بعض تركة أبيها كأن يخصها بفدك وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخص من شاء بما شاء وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن سلمة وغيرهما ببعض متروك النبي على أن فدك التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان) ، مجلة الرسالة المصرية العدد (٥١٨) من السنة (١١) ص (٤٥٧) نقلا عن أعيان الشيعة (١ / ٣١٨).