وكنت أطوف البراري (١) والجبال أطلب النبات وحشيش الأرض فكنت أقتنع وأصبر ، فبينا أنا كذلك وقد خرجت إلى بطحان مكة جعلت لا أمر على شيء من الحشيش والنبات إلّا استطال لي فأقمت أياما ، فبينا أنا ذات ليلة راقدة إذ أتاني آت في المنام فحملني فقذف بي في نهر من ماء أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأذكى من الزعفران.
فقال : أكثري من شربه ليكثر لبنك ، فشربت.
فقال : ازدادي.
فازددت فرويت.
فانتبهت من المنام وأنا أحفل نساء بني سعد (٢) لا أطيق ، «أن» (٣) أقل ثديي كأنه الجرّ العظيم ، ومن حولي من رجال بني سعد ونسائهم بطونهم لاصقة بالظهور وألوانهم متغيّرة.
ثم صعدنا يوما إلى بطحاء مكة نطلب النبات كعادتنا ، فسمعنا مناديا ينادي : إن الله تبارك وتعالى ليخرج مولودا من قريش هذه السنة هو شمس النهار وقمر الليل ، طوبى لثدي أرضعته ألا فبادرن إليه يا نساء بني سعد.
قالت : وعزم الناس على الخروج (٤) إلى مكة فخرجت على أتان لي تمشى على المجهود منا ، فكنت لا أمر بشيء إلّا استطال لي ، ونوديت : هنيئا لك يا حليمة.
فبينا أنا كذلك إذ برز إليّ من الشعب «من بين الجبلين» (٥) من الشعب رجل كالنخلة
__________________
(١) في (ب) : أطوف البراري والقفار.
(٢) أي : بنو سعد بن بكر : بطن من هوازن من قيس بن غيلان ، من العدنانية ، وهم : بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان ، وهم حضنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أوديتهم : قرن الجبال ، وهو واد يجيء من السراة ، وشهر ناس منهم يوم جبلة ، وبعث بنو سعد سنة (٩ ه) ، ضمام بن ثعلبة وافدا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليجيب عما أرسل به المصطفى لهم ، ويتبصر بما جاء به صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعثت إليهم سرية على رأسها علي بن أبي طالب. انظر : معجم القبائل (٢ / ٥١٣ ـ ٥١٤).
(٣) ساقط في (أ، د).
(٤) نهاية صفحة [١٨ ـ أ].
(٥) ساقط في (ب).