تصديق قول المسيح انه يخبر بكل ما يأتي ، وذلك يتضمن صدق المسيح وصدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) ويقولون (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ٣٥] اي مجيئه تصديق للرسل قبله ، فانهم اخبروا بمجيئه فجاء كما اخبروا به ، فتضمن مجيئه تصديقهم ، ثم شهد هو بصدقهم فصدقهم بقوله ومجيئه ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، بعثه الله بين يدي الساعة كما قال : «بعثت أنا والساعة كهاتين واشار باصبعيه السبابة والوسطى» وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمرّ وجهه واشتد غضبه ، وقال : «أنا النذير العريان» فاخبر من الأمور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من الأنبياء كما نعته به المسيح حيث قال «انه يخبركم بكل ما يأتي» ولا يوجد مثل هذا أصلا عن أحد من الأنبياء قبل محمد صلىاللهعليهوسلم فضلا عن أن يوجد عن شيء نزل على قلب بعض الحواريين. «وأيضا» فانه قال «ويعرفكم جميع ما للرب» فبين انه يعرف الناس جميع ما لله ، وذلك يتناول ما لله من الأسماء والصفات وما له من الحقوق وما يجب من الإيمان به وملائكته وكتبه ورسله بحيث يكون يأتي به جامعا لما يستحقه الرب ، وهذا لم يأت به غير محمد صلىاللهعليهوسلم ، فانه تضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة هذا كله. «وأيضا» فان المسيح قال «اذا جاء الفارقليط الذي ارسله أبي فهو يشهد لي ، قلت لكم هذا حتى اذا كان تؤمنوا به ، فاخبر انه شهد له ، وهذه صفة نبي بشر به المسيح ويشهد للمسيح ، كما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] ، واخبر انه يوبخ العالم على الخطيئة وهذا يستحيل حمله على معنى يقوم بقلب الحواريين فانهم آمنوا به وشهدوا له قبل ذهابه فكيف يقول إذا جاء فإنه يشهد لي ويوصيهم بالإيمان به أفترى الحواريين لم يكونوا مؤمنين بالمسيح فهذا من أعظم جهل النصارى وضلالهم؟! «وأيضا» فإنه لم يوجد أحد وبخ جميع العالم على الخطيئة إلا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فانه انذر جميع العالم من اصناف الناس ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان ولم يقتصر على مجرد الأمر والنهي بل وبخهم وفزعهم وتهددهم. «وأيضا» فإنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع. وهذا إخبار بأن كلما يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئا تعلمه من الناس أو