ووسمهم بانهم شر الدواب وأعد لهم إذا قدموا عليه أليم العقاب ، وحكم لهم بانهم أضل سبيلا من الانعام ، اذ استبدلوا الشرك بالتوحيد والضلال بالهدى والكفر بالاسلام ، وحكم سبحانه لعلماء الكفر وعباده حكما يشهد ذوو العقول بصحته ويرونه شيئا حسنا ، فقال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ، ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) [الكهف : ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٦].
فصل
[التهديد لمن حاد عن الاسلام]
فاين يذهب من تولى عن توحيد ربه وطاعته ، ولم يرفع رأسا بأمره ودعوته ، وكذب رسوله وأعرض عن متابعته ، وحاد عن شريعته ، ورغب عن ملته واتبع غير سنته ، ولم يستمسك بعهده ، ومكّن الجهل من نفسه ، والهوى والعناد من قلبه ، والجحود والكفر من صدره ، والعصيان والمخالفة من جوارحه ، فقد قابل خبر الله بالتكذيب ، وأمره بالعصيان ، ونهيه بالارتكاب ، يغضب الرب وهو راض ، ويرضي وهو غضبان ، يحب ما يبغض ، ويبغض ما يحب ، ويوالي من يعاديه ، ويعادي من يواليه ، يدعو الى خلاف ما يرضى ، وينهي عبدا إذا صلى قد (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ، وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) [الجاثية : ٢٣] فأصمه وأبكمه وأعماه ، فهو ميّت الدارين ، فاقد السعادتين ، قد رضي بخزى الدنيا وعذاب الآخرة ، وباع التجارة الرابحة بالصفقة الخاسرة فقلبه عن ربه مصدود ، وسبيل الوصول الى جنته ورضاه وقربه عنه مسدود ، فهو ولي الشيطان وعدو الرحمن ، وحليف الكفر والفسوق والعصيان ، رضي المسلمون بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا ، ورضي المخذول بالصليب والوثن إلها ، وبالتثليث والكفر دينا ، وبسبيل الضلال والغضب سبيلا ، أعصى الناس للخالق الذي لا سعادة له إلا في طاعته ، وأطوعهم للمخلوق الذي ذهاب دنياه وأخراه في طاعته ، فاذا سئل في قبره : «من ربك وما دينك ومن نبيك؟ قال : هاه هاه ، لا أدري. فيقال : لا دريت ، ولا