بل يكون أعظم من المسيح ، فان المسيح أخبر أنه يقدر على ما لا يقدر عليه المسيح ، ويعلم ما لا يعلمه المسيح ، ويخبر بكل ما يأتي وبما يستحقه الرب حيث قال : «ان لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم لا تستطيعون حمله ، ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب ، فلا يستريب عاقل أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك لأن الإخبار عن الله بما هو متصف به من الصفات وعن ملائكته وعن ملكوته وعما اعده في الجنة لاوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمل عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل ، قال علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله. وقال ابن مسعود : ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ، وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) [الطلاق : ١٢] ، قال : ما يؤمنك أن لو أخبرتك بها لكفرت. يعني لو أخبرتك بتفسيرها لكفرت بها وكفرك بها تكذيب بها ، فقال لهم المسيح ، «ان لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله» وهو الصادق المصدوق في هذا ، ولهذا ليس في الإنجيل من صفات الله تعالى وصفات ملكوته وصفات اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة ، مع أن موسى صلىاللهعليهوسلم ، كان قد سهل الأمر للمسيح ، ومع هذا فقد قال لهم المسيح : «ان لي كلاما كثيرا أريد أن اقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله» ثم قال : «ولكن إذا جاء روح الحق فذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، وانه يخبركم بكل ما يأتي ، وبجميع ما للرب» فدل هذا على ان «الفارقليط» هو الذي يفعل هذا دون المسيح ، وكذلك كان ، فإن محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ارشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين واتم به النعمة ، ولهذا كان خاتم الأنبياء فانه لم يبق نبي يأتي بعده غيره ، واخبر محمد صلىاللهعليهوسلم ، بكل ما يأتي من اشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن الأعمال ، والجنة وانواع نعيمها ، والنار وانواع عذابها ، ولهذا كان في القرآن تفصيل أمر الآخرة وذكر الجنة والنار وما يأتي أمور كثيرة لا توجد لا في التوراة ولا في الإنجيل ، وذلك