[النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم]
[وما اتفقت عليه فرقهم المشهورة]
وأما خبر ما عندكم أنتم فلا نعلم أمة أشد اختلافا في معبودها ونبيها ودينها منكم ، فلو سألت الرجل وامرأته وابنته وأمه وأباه عن دينهم لأجابك كل منهم بغير جواب الآخر ، ولو اجتمع عشرة منهم يتذاكرون الدين لتفرقوا عن أحد عشر مذهبا مع اتفاق فرقهم المشهورة اليوم على القول بالتثليث وعبادة الصليب ، وأن المسيح ابن مريم ليس بعبد صالح ولا نبي ولا رسول ، وأنه إله في الحقيقة ، وأنه هو خالق السموات والأرض والملائكة والنبيين ، وأنه هو الذي أرسل الرسل وأظهر على أيديهم المعجزات والآيات ، وأن للعالم إلها هو أب والد لم يزل ، وأن ابنه نزل من السماء وتجسم من روح القدس ومن مريم وصار هو وابنها الناسوتي إلها واحدا ومسيحا واحدا وخالقا واحدا ورازقا واحدا ، وحبلت به مريم وولدته ، وأخذ وصلب وألم ومات ودفن ، وقام بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه قالوا والذي ولدته مريم وعاينه الناس وكان بينهم هو الله وهو ابن الله وهو كلمة الله ، فالقديم الأزلي خالق السموات والأرض هو الذي حبلت به مريم وأقام هناك تسعة أشهر ، وهو الذي ولد ورضع وفطم وأكل وشرب وتغوط وأخذ وصلب وشد بالحبال وسمرت يداه.
[اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح]
ثم اختلفوا : فقالت «اليعقوبية» ـ اتباع يعقوب البرادعي ولقب بذلك لأن لباسه كان من خرق برادع الدواب يرقع بعضها ببعض ويلبسها ـ إن المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين : «احداهما» طبيعة الناسوت ، «والأخرى» طبيعة اللاهوت ، وأن هاتين الطبيعتين تركبتا فصار إنسانا واحدا وجوهرا واحدا وشخصا واحدا ، فهذه الطبيعة الواحدة والشخص الواحد هو المسيح ، وهو إله كله ، وإنسان كله ، وهو شخص واحد ، وطبيعة واحدة من طبيعتين. وقالوا : إن مريم ولدت الله ، وأن الله سبحانه قبض عليه وصلب وسمر ومات ودفن ثم عاش بعد ذلك.
(فصل) وقالت «الملكية» ـ وهم الروم نسبة إلى دين الملك لا إلى رجل