أحد هذه الروح فارقليطا علم أن الفارقليط أمر غير هذا. و «أيضا». فمثل هذه الروح لا زالت يؤيد بها الأنبياء والصالحون وما بشر به المسيح ووعد به أمر عظيم يأتي بعده اعظم من هذا و «أيضا» فانه وصف الفارقليط بصفات لا تناسب هذا الروح وانما تناسب رجلا يأتي بعده نظيرا له ، فانه قال : «ان كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وانا اطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد» فقوله «فارقليطا آخر» دل على انه ثان لأول كان قبله ، وانه لم يكن معهم في حياة المسيح وانما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم و «أيضا» فانه قال «يثبت معكم إلى الأبد» وهذا إنما يكون لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته فعلم انه بقاء شرعه وأمره ، والفارقليط الأول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى الأبد ، وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى إلى الأبد بخلاف الأول ، وهذا انما ينطبق على محمد صلىاللهعليهوسلم ، «وأيضا» فانه اخبر ان هذا الفارقليط الذي اخبر به يشهد له ويعلمهم كل شيء وانه يذكر لهم كل ما قال المسيح وانه يوبخ العالم على خطيئته فقال «والفارقليط الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما قلت لكم ، وقال اذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله هو يشهد أني قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ، ولا تشكوا فيه ، وقال إن خيرا لكم ان انطلق إلى أبي ، ان لم أذهب لم يأتكم الفارقليط ، فان انطلقت ارسلته إليكم ، فهو يوبخ العالم على الخطيئة ، فان لي كلاما كثيرا اريد ان أقول لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن اذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عند نفسه بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح لا تنطبق على أمر معنوي في قلب بعض الناس لا يراه احد ولا يسمع كلامه ، وانما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلامه ، فيشهد للمسيح ، ويعلمهم كل شيء ، ويذكرهم كلما قال لهم المسيح ، ويوبخ العالم على الخطيئة ، ويرشد الناس إلى جميع الحق ، ولا ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبرهم بكل ما يأتي ، ويعرفهم جميع ما لرب العالمين وهذا لا يكون ملكا لا يراه أحد ولا يكون هدى وعلما في قلب بعض الناس ، ولا يكون إلا إنسانا عظيم القدر يخاطب بما أخبر به المسيح ، وهذا لا يكون إلا بشرا رسولا ،