وقد اختلف في «الفارقليط» في لغتهم فذكروا فيه أقوالا ترجع إلى ثلاثة :
«أحدها» انه الحامد والحماد أو الحمد كما تقدم ، ورجحت طائفة هذا القول ، وقال الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم انه الحمد ، والدليل عليه قول يوشع «من عمل حسنة يكون له فارقليط جيد» اي حمد جيد.
«والقول الثاني» وعليه اكثر النصارى انه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، قالوا وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص ، قالوا وهو بالسريانية فاروق فجعل (فارق) قالوا و (ليط) كلمة تزاد ، ومعناها كمعنى قول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو. قالوا فكذلك معنى (ليط) في السريانية. وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزى ، قالوا وكذلك هو في اللسان اليوناني. ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم يكن لغته سريانية ولا يونانية بل عبرانية ، واجيب عن هذا بانه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل انما نزل باللغة العبرانية وترجم عنه بلغة السريانية والرومية واليونانية وغيرها ، واكثر النصارى على انه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بايديهم انه قال : «إنما اتيت لأخلص العالم» والنصارى يقولون في صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصا ولما لم يمكن النصارى انكار هذه النصوص حرفوها انواعا من التحريف ، فمنهم من قال : هو روح نزلت على الحواريين ، ومنهم من قال : هو ألسن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا بها الآيات والعجائب ، ومنهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوما وكونه قام من قبره ، ومنهم من قال لا يعرف ما المراد بهذا الفارقليط ولا يتحقق لنا معناه ومن تأمل الفاظ الإنجيل وسياقها علم أن تفسيره بالروح باطل ، وابطل منه تفسيره بالألسن النارية ، وابطل منهما تفسيره بالمسيح ، فان روح القدس ما زالت تنزل على الأنبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة : ٢٢] ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم ، لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين «اللهم ايده بروح القدس» وقال : «ان روح القدس معك ما زالت تنافح عن نبيه» واذا كان كذلك ولم يسم