وهذا ليس هو المسيح عند النصارى. وأما قول المحرفين لكلام الله : إن ذلك على حذف ألف الاستفهام وهو استفهام انكار والمعنى لا أقيم لبني إسرائيل نبيا. فتلك عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه والكذب على الله ، وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه هذا من عند الله ، وحمل هذا الكلام على الاستفهام والانكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل ، وهذا التحريف والتبديل من معجزات النبي صلىاللهعليهوسلم ، التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم ، فاظهر الله صدقه في ذلك لكل ذي لب وعقل ، فازداد إيمانا إلى إيمانه ، وازداد الكافرون رجسا إلى رجسهم.
(فصل) الوجه الثاني قال في التوراة في السفر الخامس : «اقبل الله من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الأظهار عن يمينه» وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمجيؤه من «سينا» وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ونبّأه عليه إخبار عن نبوته ، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس ، «وساعير» قرية معروفة هناك إلى اليوم ، وهذه بشارة بنبوة المسيح. «وفاران» هي مكة ، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ، ونبوة خاتم الأنبياء بعدهما باستعلات الشمس وظهور ضوءها في الآفاق ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء ، فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والاشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَطُورِ سِينِينَ ، وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين : ١ ـ ٢ ـ ٣] ، فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التي خرجوا منها (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين : ١] ، والمراد بهما منبتهما وأرضهما وهي الأرض المقدسة التي هي مظهر المسيح (وَطُورِ سِينِينَ) [التين : ٢] ، الخيل الذي كلم الله عليه موسى فهو مظهر نبوته (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين : ٣] ، مكة حرم الله وامنه التي هي مظهر نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم ، فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء قالت اليهود :