«فاران» هي أرض الشام وليست أرض الحجاز وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم وعندهم في التوراة : ان اسماعيل لما فارق أباه سكن في برية فاران. هكذا نطقت التوراة ، ولفظها «وأقام اسماعيل في برية فاران ، وانكحته أمه امرأة من [جرهم] ولا يشك علماء أهل الكتاب أن فاران مسكن لآل اسماعيل ، فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران ، وتضمنت نبوة تنزل على عظيم من ولد اسماعيل ، وتضمنت انتشار أمته واتباعه حتى يملئوا السهل والجبل كما سنذكره ان شاء الله تعالى ، ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا أن هذه هي نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، التي نزلت بفاران على أشرف ولد اسماعيل حتى ملأت الأرض ضياء ونورا وملأ اتباعه السهل والجبل ، ولا يكثر على الشعب الذي نطقت التوراة بانهم عادمو الرأي والفطانة ينقسموا إلى جاهل بذلك وجاحد مكابر معاند ، ولفظ التوراة فيهم «أنهم لشعب عادم الرأي ، وليس فيهم فطانة» ويقال لهؤلاء المكابرين : أي نبوة خرجت من الشام فاستعلت استعلاء ضياء الشمس ، وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها؟! وهل هذا إلا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من المشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب؟!
(الوجه الثالث) قال في التوراة في السفر الأول : «ان الملك ظهر لهاجر أم اسماعيل ، فقال يا هاجر من أين أقبلت وإلى أين تريدين؟ فلما شرحت له الحال قال ارجعي فأني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسميه اسماعيل لأن الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحش (١) للناس وتكون يده على الكل ويد الكل مبسوطة إليه بالخضوع» وهذه بشارة تضمنت أن يد ابنها على يد كل الخلائق ، وان كلمته العليا ، وأن أيدي الخلق تحت يده ، فمن هذا الذي ينطبق عليه هذا الوصف سوى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟! وكذلك في السفر الأول من التوراة : «أن الله قال لابراهيم إني جاعل ابنك اسماعيل لأمة عظيمة إذ هو من زرعك» وهذه بشارة بمن جعل من ولده لأمة عظيمة ، وليس هو سوى محمد بن عبد الله الذي
__________________
(١) فسر بالخشونة.