المراد به شمويل النبي فانه من بني إسرائيل ، والبشارة إنما وقعت بنبي من إخوتهم ، وإخوة القوم هم بنو أبيهم ، وهم بنو إسرائيل : «الثالث» أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه إلى الآن. وقال المسلمون البشارة صريحة في النبي صلىاللهعليهوسلم ، العربي الأمي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لا يحتمل غيره ؛ فانها إنما وقعت بنبي من إخوة بني إسرائيل لا من بني إسرائيل نفسهم ، والمسيح من بني إسرائيل ، فلو كان المراد بها هو المسيح لقال أقيم لهم نبيا من أنفسهم ، كما قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : ١٦٤] ، وإخوة بني إسرائيل هم بنو اسماعيل ، ولا يعقل في لغة امة من الامم أن بني إسرائيل هم إخوة بني إسرائيل ، كما أن إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه. وأيضا فانه قال «نبيا مثلك» وهذا يدل على أنه صاحب شريعة عامة مثل موسى ، وهذا يبطل حمله على شمويل من هذا الوجه أيضا ، ويبطل حمله على يوشع من ثلاثة أوجه : «أحدها» أنه من بني إسرائيل لا من إخوتهم «الثاني» أنه لم يكن مثل موسى ، وفي التوراة لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى «الثالث» أن يوشع نبي في زمن موسى ، وهذا الوعد إنما هو بنبي يقيمه الله بعد موسى. وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على هارون ، مع أن هارون توفي قبل موسى ، ونبأه الله مع موسى في حياته ، ويبطل ذلك من وجه «رابع» أيضا وهو أن في هذه البشارة أنه ينزل عليه كتابا يظهر للناس من فيه وهذا لم يكن لأحد بعد موسى غير النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهذا من علامات نبوته التي أخبرت بها الأنبياء المتقدمون ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ، وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ، أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧] فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وظهر للأمة من فيه ، ولا يصح حمل هذه البشارة على المسيح باتفاق النصارى لأنها إنما جاءت بواحد من إخوة بني إسرائيل ، وبنو إسرائيل وإخوتهم كلهم عبيد ليس فيهم إله ، والمسيح عندهم إله معبود ، وهو أجل عندهم من أن يكون من إخوة العبيد ، والبشارة وقعت بعبد مخلوق يقيمه الله من جملة عبيده وإخوتهم ، وغايته أن يكون نبيا لا غاية له فوقها