السماء. (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) أي أرصد له خاصة فيرمى به فيحرقه أو يخبله ، وقالوا (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) أقول عجبا لهؤلاء المؤمنين من الجن كيف تأدبوا مع الله فلم ينسبوا إليه الشر ونسبوا إليه الخير فقالوا (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ولو أساءوا الأدب مثلنا لقالوا أشر أراده الله بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا أي خيرا وصلاحا قالوا هذا لما وجدوا السماء قد ملئت حرسا شديدا وشهبا وهو تفكير سديد ناتج عن وعي وإدراك سليم. وهذا التغير في السماء الذي وجدوه سببه أن الله تعالى لما نبأ رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم وأخذ يوحي إليه حمى السماء حتى لا يسترق الشياطين السمع ويشوشوا على الناس فيصرفوهم عن الإيمان والدخول في الإسلام وهو الرشد الذي أراد الله لعباده وقالوا (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) أي المؤمنون المستقيمون على الإيمان والطاعة (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ضعف إيمان وقلة طاعة ، (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) أي مذاهب (١) واهواء مختلفة. (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) أي إن أراد بنا سوءا ومكروها (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) إن طلبنا في الأرض أو في السماء. (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) أي بالقرآن الذي هو هدى الله يهدي به من يشاء من عباده (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) أي نقصا من حسناته يوم القيامة (وَلا رَهَقاً) أي إثما يضاف إلى سيئآته ويعاقب به وهو لم يرتكبه في الدنيا. وقالوا (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي الجائرون عن قصد السبيل وهو الإسلام. (فَمَنْ أَسْلَمَ) أي انقاد لله تعالى بطاعته وخلص من الشرك به فهؤلاء تحروا الرشد (٢) وفازوا به ، (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) توقد بهم وتستعر عليهم وعلى الكافرين الجائرين أمثالهم.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ وجود تجانس بين الجن والملائكة لقرب مادتي الخلق من بعضها إذ الملائكة خلقوا من مادة النور ، والجن من مادة النار ، ولذا يرونهم ويسمعون كلامهم ويفهمونه.
٢ ـ من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون أصحاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
٣ ـ ذم الطرق والأهواء والاختلافات.
٤ ـ الاشادة بالعدل وتحري الحق والخير.
__________________
(١) كان منهم اليهودي والنصراني والمجوسي ، ولما جاء الإسلام أصبح منهم المسلم وأصبح من المسلمين قدرية ومرجئة وخوارج ورافضة وشيعة لأنهم تابعون للناس في معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم.
(٢) تحروا رشدا أي قصدوا طريق الحق وتوخوه ، ومنه تحري القبله للصلاة. أي طلبها بعناية وقصد للحصول عليها.