معنى الآيات :
قوله تعالى (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) (١) (٢) الآيات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء والمؤمنون فقراء فقال تعالى (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يوم القيامة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي جنات كلها نعيم لا شيء فيها غيره. ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ) (٣) (الْمُسْلِمِينَ) الذين أسلموا لله وجوههم وأطاعوه بكل جوارحهم كالمجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة ، فنسوي بينهما وثانيها قوله : (ما لَكُمْ؟) أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند الله تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به لأنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) أي ألكم في هذا الكتاب ما تختارون والجواب. لا. لا وخامسها قوله (أَمْ لَكُمْ) (٤) (أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان لا نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما حكمتم به لأنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ (٥) بِذلِكَ زَعِيمٌ) أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في ذلك. بهذه الاستفهامات الإنكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن يتشبثوا به في
__________________
(١) (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟ فأجيب : إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم : واللام لام الاستحقاق ، واضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من شوك ونحوه.
(٢) قال ابن عباس رضي الله عنهما : قالت كفار مكة إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون فنزلت : أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟
(٣) الهمزة للاستفهام الإنكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع والتوبيخ .. وكذا سائر الاستفهامات في هذه الآيات.
(٤) (أَمْ لَكُمْ) للإضراب الانتقالي من دليل إلى آخر والاستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب والتفريع.
(٥) الاستفهام هنا مستعمل للتهكم.