أخبر عنه القرآن على لسانه وفي الأخبار ، وإلى ما ذكره في آخر الزمان فظهر ذلك كما ذكره ، علم علما ضروريّا أنه بلغ الطور الذي وراء العقل ، وانفتحت له العين التي يكتشف منها الغيب الذي لا يدركه إلا الخواص ، والأمور التي لا تدركها العقول. فهذا هو منهاج تحصيل العلم الضروري بتصديق النبي عليه الصلاة والسلام. فجرب وتأمل القرآن وطالع الأخبار تعرف ذلك بالعيان.
وهذا القدر يكفي في تنبيه المتفلسفة ، ذكرناه لشدة الحاجة إليه في هذا الزمان.
وأما السبب الرابع. وهو ضعف الإيمان بسبب سوء سيرة العلماء. فيداوى هذا المرض بثلاثة أمور:
أحدها : أن تقول إن العالم الذي تزعم أنه يأكل الحرام ، معرفته بتحريم ذلك الحرام كمعرفتك بتحريم الخمر ولحم الخنزير والربا ، بل بتحريم الغيبة والكذب والنميمة. وأنت تعرف ذلك وتفعله لا لعدم إيمانك بأنه معصية ، بل لشهواتك الغالبة عليك ؛ فشهواته كشهواتك ، وقد غلبته كما غلبتك ، فعلمه بمسائل وراء هذا يتميز به عنك ، لا يناسبه زيادة زجر عن هذا المحظور المعين. وكم من مؤمن بالطب لا يصبر عن الفاكهة وعن الماء البارد ، وإن زجره الطبيب عنه! ولا يدل على ذلك أنه غير ضار ، أو على أن الإيمان بالطب غير صحيح ، فهذا محمل هفوات العلماء.
الثاني : أن يقال للعامي : ينبغي أن تعتقد أن العالم اتخذ علمه ذخرا لنفسه في الآخرة ، ويظن أن علمه ينجيه ، ويكون شفيعا له حتى يتساهل معه في أعماله لفضيلة علمه. وإن جاز أن يكون زيادة حجة عليه ، فهو يجوز أن يكون زيادة درجة له ، وهو ممكن ، فهو وإن ترك العمل يدلي بالعلم. أما أنت أيها العامي إذا نظرت إليه ، وتركت العمل وأنت عن العلم عاطل ، فتهلك لسوء عملك ولا شفيع لك.
الثالث : وهو الحقيقة ، أن العالم الحقيقي لا يصادف معصية إلا على سبيل الهفوة ، ولا يكون مصرّا على المعاصي أصلا ؛ إذ العلم الحقيقي ما يعرّف أن المعصية سم مهلك ، وأن الآخرة خير من الدنيا ، ومن عرف ذلك لا يبيع الخير بما هو أدنى منه. وهذا العلم لا يحصل بأنواع العلوم التي يشتغل بها أكثر الناس ؛ فلذلك لا يزيدهم ذلك العلم إلا جرأة على معصية الله تعالى. وأما العلم الحقيقي فيزيد صاحبه خشية وخوفا ورجاء ، وذلك يحول بينه وبين المعاصي ، إلا الهفوات التي لا ينفك عنها البشر في الفترات ؛ وذلك لا يدل على ضعف الإيمان ، فالمؤمن مفتن تواب ، وهو بعيد عن الإصرار والإكباب.
هذا ما أردت أن أذكره في ذم الفلسفة والتعليم وآفاتهما ، وآفات من أنكر عليهما لا بطريقة.
ونسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن آثره واجتباه ، وأرشده إلى الحق وهداه ، وألهمه ذكره حتى لا ينساه ، وعصمه عن شر نفسه حتى لم يؤثر عليه سواه ، واستخلصه لنفسه حتى لا يعبد إلا إياه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.