فمات ، فخرجنا إلى
قبره بعد ستة أيام وجعلنا نتذاكر أمر الله عزوجل ، فمر بنا طبق من تين فاشتريناه وأكلناه ورمينا الأذناب
على القبر ، فلما كان تلك الليلة رأى أبونا الشيخ في المنام فقال له : كيف حالك؟
فقال : بخير ، غير أن أولادك اتخذوا قبري مزبلة ، وتحدثوا علي بكلام هو كفر ،
فخاصمنا أبونا للشيخ وقال : إن الشيخ قال لي إنهم قالوا عند قبري شيئا يشبه الكفر
، فقلنا : يا سبحان الله لا يزال يؤدبنا في الدنيا والآخرة. ومن هذه الحكايات كثير
إلا أني ذكرت هذا القدر أمثالا ومواعظ ليعتبر بالأقل.
فصل
وأما أهل القبور
فعلى أربعة أحوال : فمنهم القاعد على عقبه حتى تنتثر العين ، وتورم الجثة ، ويعود
الجسم ترابا ، ثم لا يزال بعد ذلك طوافا في الملكوت دون سماء الدنيا ، ومنهم من
يرسل الله عليه نعسة فلا يدري ما فعل حتى ينتبه مع النفخة الأولى ثم يموت ، ومنهم
من لا يقوم على قبره إلا شهرين أو ثلاثا ، ثم تركب نفسه على طير يهوي به في الجنة
، وهو الحديث الصحيح حيث يقول صاحب الشرعصلىاللهعليهوسلم : «نسمة المؤمن من
طائر يعلق في شجرة الجنّة» وفي المعنى الصحيح والوجه الحسن. وكذلك سئل عن أرواح
الشهداء فقال : «الشّهداء في حواصل طيور خضر تعلق بهم في شجرة الجنّة». ومن الناس
من إذا بادت عينه عرج به إلى الصور فلا يزال لازما له حتى ينفخ في الصور. والنوع
الرابع خص به الأنبياء والأولياء ولهم الخيار ، فمنهم من يكون طوافا في الأرض حتى
تقوم الساعة ، وكثيرا ما يرى في الليل ، وأظن الصديق منهم والفاروق. والرسول صلىاللهعليهوسلم له الخيار في طواف العوالم الثلاثة. وعن هذه الإرادة قال
يوما تنبيها وإشارة صلىاللهعليهوسلم «إني أكرم على
الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث» وكانت ثلاث عشرات ، لأن الحسين قتل على
رأس الثلاثين سنة فغضب على أهل الأرض وعرج إلى السماء ، وقد رآه بعض الصالحين في
النوم فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما ترى في فتن أمتك؟ قال : زادهم الله
فتنة! قتلوا الحسين ولم يحفظوني فيه. ثم جعل يعدد كلاما اشتبه على الراوي. ومنهم
من اختار السماء السابعة كإبراهيم عليهالسلام ، وفي الحديث أنه أمر به صلىاللهعليهوسلم وهو مسند ظهره إلى البيت المعمور وقد أحدق به أولاد
المسلمين. وعيسى عليهالسلام في السماء الخامسة ، وفي كل سماء رسل وأنبياء لا يخرجون
منها ولا يبرحون حتى الصعقة ، وليس منهم من له الخيار إلا الخليل والكليم والروح
والحبيب ، هؤلاء ينتهون حيث أرادوا من العالمين ، وأما الأولياء فمنهم من وقف على
البعثة الدنيوية كما روي عن أبي يزيد أنه تحت العرش يأكل من مائدة. وعلى هذه
الأنواع الأربعة حال أهل القبور يعذبون ويرحمون ويهانون ويكرمون ، فالذين هم منهم
يحدقون بالميت إذا احتضر حتى يضيق بهم رحاب المنازل ، وربما كشف له فيراهم ويفطن
بهم ، وقد رأيت من حدث بهذا النوع ، وقد رأيت بعض الأصحاب كشف عن بصيرته فنظر إلى
ولده الميت قد ولج البيت والميت