معك؟ فيقول : فلان بن فلان ، بأقبح أسمائه وأبغضها إليه في دار الدنيا ، فيقال : لا أهلا ولا سهلا! ولا يفتح له أبواب السماء : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) فإذا سمع الأمين هذه المقالة طرحه من يده فتهوي به الريح في مكان سحيق ، أي بعيد ، وهو قوله عزوجل (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) فيا له من خزي حل به! فإذا انتهى به إلى الأرض ابتدرته الزبانية وسارت به إلى سجين وهي صخرة عظيمة تأوي إليها أرواح الفجار. وأما اليهود والنصارى فمردودون من الكرسي إلى قبورهم ، هذا من مات منهم على شريعته ويشاهد غسله ودفنه ، وأما المشرك فلا يشاهد شيئا من ذلك لأنه قد هوى به ، وأما المنافق فمثل الثاني يرد ممقوتا مطرودا إلى حفرته ، وأما المقصرون من المؤمنين فتختلف أنواعهم : فمنهم من ترده صلاته ، لأن العبد إذا نقر في صلاته سارقا لها تلف كما يتلف الثواب الخلق ويضرب بها وجهه ثم تعرج وهي تقول ضيعك الله كما ضيعتني. ومنهم من ترده زكاته ، لأن إنما يزكي ليقال فلان متصدق ، وربما وضعها عند النسوان فاستجلب بها محبتهن ، ولقد رأيناه ، عافانا الله مما حل به. ومن الناس من يرده صومه ، لأنه صام عن الطعام ولم يصم عن الكلام ، فهو رفث وخسران ، فخرج الشهر عنه وقد لهوجه. ومن الناس من يرده حجه ، لأنه إنما حج ليقال فلان حج أو يكون حج بمال خبيث. ومن الناس من يرده العقوق.
وسائر أحوال البر كلها لا يعرفها إلا العلماء بأسرار المعاملات وتخصيص العمل الذي للملك الوهاب. فكل هذه المعاني جاءت بها الآثار والأخبار كالخبر الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه في رد الأعمال وغيرها. وإنما أردت تقريب الأمر ، ولو لا الاختصار لكنت ملأت الدواوين من تصحيح ذلك ، وأهل الشرع يعرفونه صحة ذلك كما يعرفون أبناءهم. فإذا ردت النفس إلى الجسد ووجدته قد أخذ في غسله إن كان قد غسل ، فتقعد عند رأسه حتى يغسل ، فيكشف الله عن بصر من يشاء من الصالحين فينظرها على صورتها الدنيوية. وقد حدث شخص ابنا له فإذا هو بشخص قاعد عند رأسه ، فأدركه الوهم ، فترك الجهة التي رأى فيها الشخص وتحول إلى الجهة الأخرى ، فلم يزل ينظره حتى أدرج الميت في كفنه ، فعاد إليه ذلك الشخص فشاهده العالم وهو على النعش. كما روي عن غير واحد من الصالحين أنه نادى ميتا وهو في النعش : أين فلان وأين الروح؟ فانتقض الكفن من تلقاه صدره مرتين أو ثلاثة. وعن الربيع بن خيثم أنه اضطرب في يد غاسله. وقد علم أن الميت تكلم في نعشه على عهد الصديق وذكر فضله وفضل الفاروق. وإنما هي النفس تشاهد أمرا ملكوتيّا ويكشف الله عن سمع من يشاء ، فإذا أدرج الميت في أكفانه صارت الروح ملتصقة بالصدر خارجة ولها خوار وعجيج وهي تقول أسرعوا بي إلي أيّ رحمة ربي لو علمتم ما أنتم حاملوني إليه! فإن كان ممن يبشر بالشقاء يقول رويدا بي إلى أي عذاب لو تعلمون ما أنتم حاملوني إليه. ولأجل