الجنّة». فنحن لا بيوت ولا تخوت ، ولا حور ولا سخوت ، رأى الشافعي مناما وكان قد تكلم في المسألة مع أبي يوسف ، فرأى كأنه قد أدخل الجنة ، فرأى حورا وهي تشرق العرصة من نورها ، قال : لمن أنت؟ فقالت : لمن ترك المراء وهو محق ، ثم ولت وهي تقول :
خلطوا الحقّ بالقبائح زورا |
|
ثم مالوا إلى المراء نسورا |
ثم راموا من الإله بدورا |
|
قد فجرتم من المقال قبورا |
أيا مالكم تنالون دورا |
|
سوف تجزون في المعاد فجورا |
وطلبتم من الإله أجورا |
|
سوف تلقون في الجحيم أجورا |
ثم قالت : يا شافعي ما تنال بالقال والقيل هذه الثياب والخلاخيل ، إن كنت صادقا وتريد أن تكون للجنة مالكا فعليك بالعلم والعمل مثل مالك ، فمن أراد الممالك يصير على المهالك. ثم انتبهت فعلمت أن مراء هؤلاء لا يقود إلا إلى الهوى ، والآخرة عند ربك للمتقين. وفي الحديث" إن العلم يهتف بالعمل ، فإن أجاب وإلا ارتحل" فهؤلاء علماء الدنيا وعلماء الآخرة ، وفقراء الدنيا وفقراء الآخرة ، وأنت مشغول بالكرم عن الكرامات ، وبالقصور عن القصور العاليات ، أنت مثل الذيب وهمك في التشكيك والتكذيب.
سوف ترى إذا انجلى الغبار |
|
أسابق تحتك أم حمار |
أما العلوم فكثيرة ، وأقربها ما دل على الآخرة : مثل علم الشريعة ، وتفاسير الواحدي ، وأمتان الصحاح ، وقراءة القرآن ، ومحافظات الأوراد المذكورة في كتب الإحياء. وإن أردت حسن العقيدة على وجه الاختصار فعليك بلواقح الأدلة وهو لشيخنا إمام الحرمين ، وإلا قواعد العقائد. وإن أردت سلوك طريق السلف الصالح فعليك بكتاب نجاة الأبرار ، وهو آخر ما صنفناه في أصول الدين. وقد ذكرنا لك التصانيف في معرض هذا الكتاب ، فاقرأ ما شئت واعمل ما شئت فإن اللقاء قريب. واعلم أن فصول السنة معروفة : مثل صيفها وخريفها ، وشتائها وربيعها ، فمن الحمل إلى الجوزاء ربيع ، ومن السرطان إلى آخر السنبلة صيف ، ومن الميزان إلى آخر القوس خريف ، ومن الجدي إلى آخر الحوت شتاء (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : هذا الهواء إذا أقبل فتلقوه ، وإذا أدبر فتوقوه ، فإنه يفعل بأبشاركم كما يفعل بأشجاركم ، أوله مورق وآخره محرق. ففي العلوم ما يضر مثل العمل بالسحر والكهانة ، وصبغ الصفر فضة يضر في الآخرة إذا قلبها فضة بالصناعة وباعها ، وفي المكاسب مكاسب خسيسة تأباها النفوس : كالغسال ، والحفار ، والكناس ، والحجام. والصنائع من جملة العلوم المفهومة التي تعينك على طلب العلم الأخروي ، فكن عالما عاملا تنال المقصد الأسنى في دار الله الحسنى ، هنالك تستقر نفسك من غير ضجر (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٤ ، ٥٥].