والولع بكتب الأولين مثل كليلة ودمنة والمغازي وحديث عبد الوهاب ، ولا يلزمك من سقمها وصحتها شيء ، قال الشافعي رضي الله عنه : مسقط الرأس مسقط الإنسان. فكن وفيّ العهد والكلام ، وليكن لك محتسب يحتسب عليك وعلى من في دارك من المسلمين ، ثم ينظر في مشارع البلد ومصالحه والأسعار ، وإن كان قد نهي عن التسعير لكنه ليس به بأس ، فقد فسدت الناس وقلت الأمانات كما ذكر في كتب الملاحم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. وخطبة الإمام فيما يتجدد. ويكون للسعادة مباد وتناه ، فقد نقل أن الله تعالى لما بعث نبيه موسى عليه الصلاة والسلام قيل لفرعون : تلميذك موسى يخاطب علة العلل ، فأمر بإحضاره وقال : يا بني تزعم أنك تخاطب علة العلل؟ قال : نعم ، قال : بم نلت هذا؟ قال : بسهم السعادة ، فقال : من أي جهاتك تسمع كلامه؟ فقال : من جهاتي الست ، فقال : إن لكل نبي معجزة فما معجزتك؟ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، فقال بعض الحسدة الحاضرين : إن عصيّ سرنديب إذا نقلت إلى هذه البلاد تكون حيات ، فقال له موسى : خذها إليك ، فإن كان كما تقول فستكون وإلا فتبطل ، فبهت الرجل وبطل ، فقال فرعون : اتبعوه فقد جاء بخرق العادات.
والسعادة الكلية هي من الفيض الأول ، ثم يفيض من طريق التحري إلى كل محل بما يقبله. والفيض الأول من العلة الأولى يتناشى بطريق الفيض الوهمي الذي عجزت العقول عن تحصيل كنهه. والذي صدر عن علة العلل من الفيض الأول هو العقل الفعال الصادر بالكلية عنه ، والنفس الكلية هي التي تفيض النفوس عنها ، والذي يتجلى للخلق من العقل هو بقدر نزول الشعاع للشمس في النوافذ والنور. ومثل تجلي العقل للأنبياء كمثل الشمس المنخرقة في الأرض الفلاة ، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم شيئا من نوره ، فمن أصابه شيء من ذلك النور اهتدى ، ومن لم يصبه فظلمات بعضها فوق بعض" وهو معنى قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] وقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر : ٢٢] وهو النور الذي تجلى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام. وكان في بدئه ضعيف شاهد من نوره الكوكب ، فلما تجلى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وتقوى جناح همته بطريق المجاهدة ، وانخرقت له الأنوار القدسية من رؤية حالة باطنه وسره ، شاهد الشمس والقمر ، فلما صفت العلة وخلصت الخلة شاهد بمقياس الحظ أصل العلة الأولى التي فيها مبدأ فيض السعادة ، فقال عند وجود سهم السعادة والحظ (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ٧٩] فلما وجد انخراق النور الإلهي لم يلتفت إلى مال ولا ولد ، فنهب يد الانتقاد ماله وولده ، فجعل ذلك غرامة بطريق التصوف لوجود حاله فقال في رفض ترك نقصه عند وجود حقه ورؤيته الكمال : ها هو ذا جسدي للنيران وولدي للقربان ، ومالي للفيضان.
فكن أيها الملك على هذه الطريقة والوتيرة حتى ينكشف لك ستر الباطن عن منهج الحق ،