أجود الخيل والرجال ، واعلم أن من خامرك في الأول هو يخامرك في الآخر ويؤفك معك ، وبددها وإن شئت في العسكر ، وأبرك كمينا من أجود رجالك ، فإذا وجدت الفيء في القتال فاستجرّ الأعداء إلى قريب الكمين ، وليكن بينكم علامة ، فإذا عزمت إلى قتال قومك فعجل ولا تطل في مكث مكان خوف الفشل والمفاسخة كما عمل ذو القرنين في عسكر دارا فأفشلهم وبذلهم وفسخهم وبرطلهم. فتقدم واعلم وكن بذالا لا متأخرا ، وانظر في دساتير الرحيل فكثّر إن شئت وقلّل ، وليكن لك عين على معرفة القائلين والغم على من قاتل ، واعزل عن الجبان على الهوينا ، ثم احتسب على خزائنك وخزانك بمعرفة ما فيها وما ينقص ويزداد. وإن لم يكن لك بد من التزويج فاستبد إلى أموال ورجال ودين وجمال ، وإن كان الشرع قد أمر بذات الدين. واعلم أن الملك بغير جواسيس وأخذ أخباره كالجسد الذي لا روح فيه. وحصل آلات الحصون مما يحتاج إليه في الضيق فإنك لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ولا تتم لهيئة الرعية واختلاف الجند. وامنع الفقهاء عن الكلام في الفتن ، وأمر نوابك أن ينظروا ما عند الخلق من الأطعمة في المحل ، ولا تمنع الناس من تحصيل الأطعمة فإنه لك وللناس عند الحاجة. وانظر فيمن امتنع عن الزراعة إن كان لفقر فقوّة وإن كان لظلم فانصره ، كما قال ملك الهند : أنا أفرح لكثرة دجاج البلد ، فإنه فرع الأمارة. واغتم لكثرة الخاطبين خوفا من ظلم المقاطع ، وقد كان ذو القرنين يحوي دساتيره على أعداء الغرباء وتسلم عليه المرأة بقدر من اللبن فإذا رآه سمنا ضحك لجودة الربيع ، وكان يقول أنا أمسك الفلاح إذا أخذ مثله وأميل المقطع فأخذ معناه إنما المقطع بالخير فإن لم يجده انتقل ، والملك بفلاحه إذ هو خزّانه وبه يسطو ويجيد وينعم ويطلق وينظر في الخزائن والأمراء. وإذا قدر على تبديل الطعام بغيره فليفعل ، فقد كان المأمون يستعرض السلاح والآلات مثل الخيم والمجانيق حتى قال لأمير دوابه : رتب مخاليك كما ترتب معاليك.
فصل وهو المقالة السادسة
في ترتيب الولاة
لا ترتب في الحصون إلا وليّا شفيقا رفيقا بالخلق ، ولا تكلفه ثقلا فتستقضه من بلدك ، وأشبعه وجند الحصن ، وانظر في مراكز خيره ومائة وحرسه وسوره ، وتذلل حراسك في البروج ، وطف بنفسك أيها الوالي على أعلى سورك ، ولا تخالط جندك بالليل خوف المخامرة ، واسأل عن أعدائك ولا تحقر القليل فإن الذبابة تقتل جملا ، وكم من عقرب أمات الأفعى لسعها كما قيل :
ولا تحقرن أبدا صغيرا فربما |
|
تموت الأفاعي من سموم العقارب |
واحذر من مكر ذي الإحن فقد قيل :
وإنّ الجرح ينغض بعد حين |
|
إذا كان البناء على فساد |
ولا يكون الوالي شريب خمر ، وهكذا الأمير ، فلو حضر في مجالسهم فليحاكم بالجلاب ، ففي