وتحصيل وصبر ، وجمع أموال لبلوغ الآمال. وأمّ الغرر في تحصيله هو علو الهمة ، كما قال معاوية رضي الله تعالى عنه : همّوا بمعالي الأمور لتنالوها! فإني لم أكن للخلافة أهلا فهممت بها فنلتها. وقد سرت بك قصص الأولين ، فانظر في أخبارهم وآثارهم! فما بلغ أحد درجة الملك بأب وأم غير قليل ، وكم نزع الملك من يد وارث مستحق مثل بيت نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
وسنتلو عليك نبذا من قصة ذي القرنين : وهو صعب بن جبل ، وأبوه نساج واسم أمه هيلانة : كان يتيما في بني حمير ، سمعت أمه ببيت الصنائع في مدينة قسطنطين فحملت ابنها إلى ذلك البيت ، فشاهد صورة الملك فوق الصنائع فقالت أمه : يا بني اختر منها ما تريد! فوضع يده على تاج الملك فانتهرته مرارا فلم ينته ، فنظر إليها يونان فقال لها : أنت هيلانة وهذا ابنك صعب بن جبل؟ فقالت : نعم ، فقال : آخذ عهد ذي القرنين وزمامه على أني وذريتي في أمانك ، فأنت الملك الذي تسحب ذيلك بطريق التملك شرقا وغربا. فحملته أمه الى أرض بابل كاتمة أمره ، فكان من بدوّ أمره وشواهد سعادته ثلاث منامات رآهن في ثلاث ليال : فأولهن أنه رأى كأن الأرض صارت خبزا فأكلها ، وفي الثانية رأى كأنه قد شرب البحار وأكل طينها ، وفي الثالثة رأى كأنه رقي في السماء فقد نجومها ورماهن إلى الأرض ، وركب الشمس وسحب ناصية القمر ، فلما اجتمع بالخضر عليهالسلام فسره عليه فبشره بنيل الملك الأعظم ، وستصحب نبيّا وحكيما وكم من مثله إن اعتبرت ، فاركب بسر علوّ الهمة وحصل الانتهاء ليتم لك كيمياؤها ، وصيّر عندك نديما كاتما مطلعا على كتبها ـ أعني بها كتب سر العالمين ـ ثم حصل أرباب صناعة التقليب الذين هم علماء تقلب الكيمان قادرين على صبغ الأحمر والأبيض ، فإن كنت قليل الحجال ضعيف العضد وقليل المال فكن كثير الفضل والعلم ، واتخذ لنفسك زاوية على طريق التزهد ، واجذب إليك تلاميذ وكثّر عددهم ، واتخذ طريق الكرامات لينصبوا إليك ، واستهو الكبار ، واسلك طريق الصلاح وزنها لنفسك ، واختل فإذا هب نسيم سعادتك فاكشف لتلاميذك ما الناس عليه من الفسق والفجور وارتكاب ما لا يجوز من كل أمر منكر ، وأمر أصحابك تستهوي وتجذب كل طائفة منهم لطائفة قوم آخرين ، فإذا استقوت شرذمتك فخذ الخواص من الناس باللين والموعظة ، والمعاندين بالجدل ، وأولي الغلظة بالغلظة ، ألم تر إلى بدو الإسلام (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١] فلما وصل إلى قمة السعادة قر سيفه (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] وعند الضعف والمسالمة أخذ الجزية والصلح (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) [الأنفال : ٦١] وعند ربح السعادة ، وارتفاع أطناب خيم الإرادة (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧] فكن أيها الطالب للملك على هذه الوتائر ، وخاطب الناس على قدر عقولهم ، وأظهر العدل ، واحترم أولي الفضل ، وأشبع الجند ، واجبر الكسير ، وأنصف ولو من نفسك ، وأشبع حجّابك وحكامك وعمالك فإن لم تفعل سرت الرشوة إلى بطلان الحق وتعطيله ، وفشا ظلمك في