والحواس جواسيسه. وكل واحد موكل بعالم من العوالم يجمع له أحوال العوالم. وقوة الخيال في مقدم الدماغ كالنقيب يجمع عنده أخبار الجواسيس ، وقوة الحفظ في وسط الدماغ مثل صاحب الخريطة يجمع الرقاع من يد النقيب ويحفظها إلى أن يعرضها على العقل ، فإذا بلغت هذه الأخبار إلى الوزير يرى أحوال المملكة على مقتضاها.
فإذا رأيت واحدا منهم قد عصى عليك مثل الشهوة والغضب ، فعليك بالمجاهدة ، ولا تقصد قتلهما ؛ لأن المملكة لا تستقر إلا بهما. فإذا فعلت ذلك كنت سعيدا ، وأديت حق النعمة ، ووجبت لك الخلعة في وقتها ، وإلا كنت شقيّا ووجب عليك النكال والعقوبة.
فصل
تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء : قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلم ، فيحتاج أن يكون أمرها متوسطا لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك ، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلك ؛ فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل دل على طريق الهداية. وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل ، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية في الدين والدنيا ، وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذا الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور ، وإن نقصت كان العجز والفتور ، وإن توسطت كان العفة والقناعة وأمثال ذلك.
فصل
اعلم أن للقلب مع عسكره أحوالا وصفات بعضها يسمى أخلاق السوء ، وبعضها أخلاق الحسن ، فبالأخلاق الحسنة يبلغ درجة السعادة ، والأخلاق السيئة هلاكه وخروجه للشقاء ، وهذه كلها تبلغ أربعة أجناس : أخلاق الشياطين ، وأخلاق البهائم ، وأخلاق السباع ، وأخلاق الملائكة. فأعمال السوء من الأكل والشرب والنوم والنكاح هي أخلاق البهائم ، وكذلك أعمال الغضب من الضرب والقتل والخصومة هي أخلاق السباع ، وكذلك أعمال النفس وهي المكر والحيلة والغش وغير ذلك هي أخلاق الشياطين ، وكذلك أعمال العقل التي هي الرحمة والعلم والخير هي أخلاق الملائكة.
فصل
واعلم أن في جلد ابن آدم أربعة أشياء : الكلب ، والخنزير ، والشيطان ، والملك. والكلب مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في صورته. وكذلك الشيطان والملائكة ذمهم ومدحهم في صفاتهم ، وليس ذلك في صورهم وخلقهم. وكذلك الخنزير مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في خلقته.
وقد أمر ابن آدم بأن يكشف ظلم الجهل بنور العقل خوفا من الفتنة كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : " ما