ما يؤذيه أخرج من جوفه ما يعكر موضعه ، ثم يذهب في الماء الذي تغير فلا يعرف كيف ذهب ولا كيف طريقه من تغيير الماء فعل الله ذلك له وقاية لنفسه وفعل فيه مصالح أخرى لا يعلمها إلا خالقها. انظر إلى نوع آخر من السمك أعين بأجنحة مثل أجنحة الخفاش ينتقل بها من موضع إلى موضع في الهواء من وجه الماء يظهر لمن لا يعرف ذلك أنه من طيور البر. انظر إلى نوع آخر من أنواع السمك ضعيف وكثيرا ما يكون في الأنهار ، وجعل الله فيه خاصية تصونه إذا اقتربت منه يد من يأخذه وفيه الروح تخدر البدن واليد فيعجز قاصده عن أخذه بذلك السبب ، فلو ملئت الكتب بعجائب حكم الله في خلق واحد لامتلأت الكتب وعجز البشر عن استكمالها وما هو المذكور في كل نوع تنبيه يشير إلى أمر عظيم.
باب في حكمة خلق النبات وما فيه من عجائب حكمة
الله تعالى
قال الله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل : ٦٠].
انظر وفقك الله وسددك إلى ما على وجه الأرض من النبات وما في نظره من النعم في حسن منظره وبهجته ونضارته التي لا يعد لها شيء من مناظر الأرض ، ثم انظر إلى جعل البارئ فيه من ضروب المنافع والمطاعم والروائح والمآرب التي لا تحصى ، وخلق فيه الحب والنوى مخلوقا لحفظ أنواع النبات ، وجعل الثمار للغذاء والتفكه والإتيان منها للعلف والرعي ، والحطب للوقود ، والأخشاب للعمارة وإنشاء السفن ولغير ذلك من الأعمال التي يطول تعدادها ، والورق والأزهار والأصول والعروق والفروع والصموغ لضروب من المصالح لا تحصى. أرأيت لو وجدت الثمار مجموعة من الأرض ولم يكن تنبت على هذه السوق الحاملة لها ما كان يحصل من الخلل في عدم الأخشاب والحطب والإتيان بالعلف وسائر المنافع ، وإن وجد الغذاء بالثمرات والتفكه بها. ثم انظر ما جعل الله فيها من البركات حتى صارت الحبة الواحدة تخلف مائة حبة وأكثر من ذلك وأقل ، والحكمة في زيادتها وبركتها حصول الاقتيات وما فضل ادخر للأمور المهمة والزراعات ، وذلك في المثال كملك أراد عمارة بلدة فأعطى أهلها من البذر ما يبذرونه وفضلة يتقوتون بها إلى إدراك زرعهم ، فهذه هي الحكمة التي أعم الله بها البلاد وأصلح بها العباد ، وكذلك الشجر والنخل يزكو وتتضاعف ثمراتها حتى تكون من الحبة الواحدة الشيء العظيم ليكون فيه ما يأكله العباد ويصرفونه في مآربهم ويفضل ما يدخر ويغرس فيدوم جنسه ويؤمن انقطاعه ، ولو لا نموه وبقاء ما يخلفه لكان ما أصابته جائحة ينقطع فلا يوجد ما يخلف.
تأمل في هذه الحبوب فإنها تخرج في أوعية تشبه الخرائط لتصونها وتحفظها إلى أن تشتد وتستحكم كما تخلق البشيمة على الجنين ، فأما البزر وما أشبه من الحبوب ، فإنه يخرج من قشور صلبة على رءوسها أمثال الأسنة ليمنع من الطير. فانظر كيف حصنت الحبوب بهذه الحصون