بقوتها ويفضل عنها
، ولها في ترتيب بيوتها من الحكمة في بنائها حافظ لما تلقيه من أجوافها من العسل ،
ولها جهة أخرى تجعل فيها برازها مباعدا عن مواضع العسل ، وفيها غير هذا مما انفرد
الله بعلمه.
انظر إلى العنكبوت
وما خلق فيها من الحكمة ، فإن الله خلق في جسدها رطوبة تنسج منها بيتا لتسكنه
وشركا لصيدها فهو مخلوق من جسدها ، وجعل الله غذاءها من أقواتها ينصرف إلى تقويم
جسدها ، وإلى خلق تلك الرطوبة المذكورة فتنصبه أبدا مثل الشرك وفي ركن الشرك بيتها
وتكون سعة بيتها بحيث يغيب شخصها ، وللشرك من خيوط رقاق تلتف على أرجل الذباب
والناموس وما أشبه ذلك ، فإذا أحست أن شيئا من ذلك وقع في شركها خرجت إليه بسرعة
وأخذته محتاطة عليه ورجعت إلى بيتها فتقتات بما يتيسر لها من رطوبة تلك الحيوانات
، وإن كانت مستغنية في ذلك الوقت شكلته وتركته إلى وقت حاجتها. فانظر ما جعل الله
فيها من الأسباب لحصول قوتها ، فبلغت في ذلك ما يبلغه الإنسان بالفكرة والحيلة ،
كل ذلك لإصلاحها ولنيل قوتها ولتعلم أن الله هو المدبر لهذا.
ثم انظر من
العجائب دود القز ، وما خلق فيه من الأشياء التي يتحير منها وتذكر الله عند رؤيتها
، فإن هذا الدود خلق لمجرد مصلحة الإنسان ومنافعه ، فإن هذا الحيوان الذي يخلق من
جسمه الحرير ، وذلك أن صورة البزر تحضن حتى إذا حمي عاد دودا كالذر فيوضع هذا
الدود على ورق التوت فيتغذى منه ، فلا يزال يرعى منه حتى يحفر جسمه فينبعث إلى غزل
نفسه جوزة الحرير ، فلا يزال كذلك حتى يفنى جسمه وتعود جوزة الحرير ويصير هو جسما
ميتا لا حياة فيه ، ثم انظر فإن الباري سبحانه لما أراد حفظ هذا الجنس ببقاء نسله
فعند ما ينتهي من غزل الحرير ويعفى ذلك الجسم يقلبه الله إلى صورة طائر صغير قريب
من صورة النحل فيجمع على بساط أو غيره وهو في رأي العين جنس واحد لا يتميز منه
الذكر من الأنثى ، فيعلو الذكر منه على ظهر الأنثى ويقيم لحظة على ظهرها فتحبل
لوقتها مثل ذلك البزر الذي حضن أولا ، ثم يطير فيذهب فلا يبقى بها انتفاع إذ قد
حصل منها المقصود وهو ذلك البزر. فانظر من ألهمها الرعي من ذلك الورق حتى يرتب
منه. ومن ألهمها إلى غزل أجسادها حريرا حتى تفنى فيما غزلته ، ومن ربى لها أجنحة
وقلب صورتها حتى صارت على هيئة تمكن فيها اجتماع الذكر والأنثى لتناسلها ، ولو
بقيت على صورتها الأولى لم يأت منها تناسل ولا هذا الاجتماع ، ثم انظر ما يسره
الباري سبحانه من عمل ما غزلته هذه الدودة على من يعمله من بني آدم حتى يكون منه
أموال كثيرة وملابس عظيمة وزينة. وانظر هذا التسخير العجيب في هذا الحيوان اللطيف
وما أظهر فيه سبحانه من بديع الصنع وعجيب الفعل وعظيم الاعتبار ، وما جعل فيه من
البرهان والآيات على بعث الأموات وإعادة العظام الرفات سبحانه لا إله إلا هو العلي
العظيم.
ثم انظر الذبابة
وما أعينت به في نيل قوتها ، فإنها خلقت بأجنحة تسرع بها إلى موضع تنال فيه فوتها
وتهرب بها عما يهلكها ويضر بها وخلق لها ستة أرجل تعتمد على أربع وتفضل