فأر وبعضه بالقوة قريب إلى حجم الفأر ، وكذلك الذباب الذي يتولد في الصيف من العفونات يكون دفعة ولم توجد عفونة تغيرت عن حالها وصارت بالقوة قريبة إلى أن تستحيل ذبابا من غير مهلة وتدريج ، والنشأة الثانية تولديه من تلك الأجزاء التي كانت في الأصل وإن تفرقت وانخلعت صورها فيرد الله تعالى واهب الصور تلك الصور إلى موادها ويحصل المزاج الخاص مرة أخرى ، ولها نفس حدثت عند حدوث ذلك المزاج ابتداء فتعود بالتسخير والتصرف إليها مع العلاقة التي بينهما ، مثال ذلك راكب سفينة قد غرقت وتفرقت أجزاؤها ، وانتقل الراكب بالسباحة إلى جزيرة ، ثم ترد تلك الأجزاء بعينها إلى الهيئة الأولى وتوطد وتؤكد عاد إليها راكب السفينة وأجراها وتصرف فيها كما شاء ، ولا يجب إن يستحق هذا الحشر وجميع الأجزاء والمزاج المجدد نفسا أخرى ، فإن حدوث المزاج يستحق حدوث نفس له ، أما أعود المزاج إلى الحالة الأولى فلا يستحق إلا عود النفس إلى الحالة الأولى ، وأما ظن من ظن أن الأجزاء الأرضية لا تفي بذلك فظن ووهم لا اعتبار بهما ، فمن قاس الإنسان والأجزاء الأرضية التي فيها بأجزاء الأرض ، وأي مهندس استخرج بالمساحة ذلك الحد ، وأما الاختلاف الراجع إلى ذلك في الكتب الإلهية في التوراة : إن أهل الجنة يمكثون في النعيم خمسة عشر ألف سنة ثم يصيرون ملائكة ، وإن أهل النار كذا أو أزيد ثم يصيرون شياطين ، وفي الإنجيل أن الناس يحشرون ملائكة لا يطعمون ولا ينامون ولا يشربون ولا يتوالدون ، وفي القرآن أن الناس يحشرون كما خلقهم الله تعالى أول مرة كما قال تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأسراء : ٥١]. وسؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠]. وقول عزيز صلىاللهعليهوسلم حكاية منه : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [البقرة : ٢٥٩]. ومكث أصحاب الكهف وهو قوله تعالى: (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ). [الكهف : ١٩ و ٢١]. دلائل على أن هذه النشأة كائنة ممكنة يجب الإيمان بها ، وكان في قديم الدهر فيها اختلاف الناس والأنبياء عليهمالسلام يثبتون تلك بالبراهين والأمثلة المحسوسة ، والتعجب من النشأة الأولى أكثر من الأخرى إلا أن النشأة الأولى محسوسة مشاهدة معتادة فسقط التعجب ، فإنا لو سمعنا أن إنسانا حرك نفسه فوق امرأة كما يحرك الممخض وخرج من أجزائه شيء مثل زبد سيال فيخفي ذلك الشيء في بعض أعضاء المرأة ويبقى مدة على هذه الحالة ثم يصير علقة ، ثم العلقة تصير مضغة ، ثم المضغة تصير عظاما ، ثم تكسى العظام لحما ، ثم يحصل فيه الحركة ، ثم يخرج من موضع لم يعهد خروج شيء منه على حالة لا يهلك أمه ولا يشق عليها في ولادته ، ثم يفتح عينيه ويحصل في ثدي الأم شيء مثل شراب مائع لم يكن قبل ذلك فيها ويغتذي به الطفل إلى أن يصير هذا الطفل بالتدريج صاحب صناعات واستنباطات ، بل ربما هذا الشيء الذي أصله نطفة وهو عند الولادة أضعف خلق الله يصير عن قريب ملكا جبارا قهارا يملك أكثر العالم ويتصرف