المذبوحة إلى الإنسان ونسبة الإنسان إلى الملائكة في جنات عدن كما قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) [الرعد : ٢٣]. وأما كون بعض الحيوانات العجم غذاء لبعض السباع الضارية ففي السباع الضواري فوائد ومنافع سياسية وطبية يعرفها أرباب السياسة والأطباء ، ومثال من يتعجب من وضع هذه الأشياء على ترتيب النظام الكلي على موجب تقدير العزيز الحكيم كمثل الأعمى الذي دخل دارا فتعثر بالأواني الموضوعة في صحن الدار ، فقال لأهل الدار : ما الذي أزال عقولكم؟ لما ذا لا تردون هذه الأواني إلى مواضعها؟ ولم تركتموها على الطريق؟ فقيل له : إنها موضوعة في مواضعها ، وإنما الخلل من فقد البصر ، وكمثل الأخشم الذي لا يدرك الروائح فيلوم واضع اللخالخ والمثلثات والفواكه العطرة الطيبة بين يديه ، فقال : هذا قد شغل المكان فقط ، فقيل له في العودة فائدة سوى اتخاذه على جهة الحطب ، وإنما المانع من إدراكه هو الخشم.
وهاهنا مباحثة أخرى منها : إن الله تعالى كيف يأمر بالشيء ويمنع من البحث عنه والبصيرة لا تحصل إلا بالبحث عنه وهذا تعجب فاسد ، فإن العلم يستدعي اعتقادا جازما أو معرفة حقيقية ، والاعتقاد الجازم يعرف بالتقليد المجرد على سبيل التصديق والإيمان ، والمعرفة تحصل بالبرهان والوصول إليها بالبحث ، ولم يمنع عن البحث الخلائق كلهم ، بل الضعفاء العاجزون عن الاطلاع على حقائق البرهان ومعضلات البحث ، ومثل ذلك الطبيب الذي يأمر العليل بشرب الدواء ويمنعه عن البحث عن سبب كون هذا الدواء شافيا ، فإنه يقصر عنه فهمه ويشق عليه ويعجز عنه ويزداد المرض ويستضر به ، فإن وجد على سبيل الندور مريضا ذكيا سالكا منهاج الطب وعلل الأمراض لم يمنعه من البحث ولم يمنعه عن ذكر المناسبة بين دوائه وبين مرضه ، بل إذا علم أنه ليس يؤمن بمجرد قوله وليس يقلد محض التقليد لما خص به من الذكاء وما يفهم من أسباب العلة ، وعلم أنه إذا فهم العلة والمناسبة اشتغل بالعلاج ، وإن لم يكن يفهم أعرض عن التقليد وجب عليه ذكر المناسبة والعلة ولم يمنع من البحث إذا علم استقلاله به ، إلا أن ذلك نادر في المرضى جدا ، والأكثرون يضعفون عن ذلك وكذلك معرفة العلل والأسرار والبحث عنها في الشرعيات من هذا القبيل ، وأما تسخير البهائم للإنسان مثل من يمشي خطوات مثلا ينظر إلى منتزهات ووجوه حسان ، فيقال له : كيف أتعب رجله وسخرها لأجل عينيه والعين آلته ، كما أن الرجل آلته فما باله جعل إحداهما خادمة وأتعبها ، وجعل الأخرى مخدومة وطلب راحتها ، وهذا جهل بالأقدار والمراتب ، بل العاقل يعلم أن الكامل أبدا يفدى بالناقص ، وأن الناقص يستسخر لأجل الكامل وهو عين الحكمة وليس ذبك بظلم ، فإن الظلم هو التصرف في ملك الغير ، والله تعالى لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما فلا يتصور منه ظلم ، بل له أن يفعل ما يشاء في ملكه ويكون عادلا ، والوحي الإلهي والشرع الحق لا يرد بما ينبو عنه العقل ، فإن أراد ينبو العقل أن برهان العقل يدل على