إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

المؤلف :أبو حامد الغزالي

الموضوع :العقائد والكلام

الناشر :دار الفكر

الصفحات :586

تحمیل

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

338/586
*

ولنا أن نصور الشمس له مثالا لما بينهما من المناسبة في شيء واحد ، وهو أن المحسوسات تنكشف بنور الشمس كما تنكشف المعقولات بالعقل فهذا القدر من المناسبة كاف في المثال ، بل السلطان يمثل في النوم بالشمس وبالقمر الوزير ، والسلطان لا يماثل الشمس بصورته ولا بمعناه ، ولا الوزير يماثل القمر. إلا أن السلطان له استعلاء على الكافة ويعم أثره النور ، كما أن الوزير واسطة بين السلطان والرغبة في إفاضة أثر العدل ، فهذا مثال وليس بمثل والله تعالى قال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥]. فأي مماثلة بين نوره وبين الزجاجة والمشكاة والشجرة والزيت؟ قال الله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) [الرعد : ١٧]. ذكر ذلك تمثيلا للقرآن والقرآن صفة قديمة لا مثل له ، فكيف صار الماء له مثالا؟ وكم من المنامات عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من رؤيا لبن أو حبل. فقال : اللبن هو الإسلام ، والحبل هو القرآن إلى أمثال له لا تحصى وأي مماثلة بين اللبن والإسلام والحبل والقرآن إلا في مناسبة ، وهو أن الحبل يتمسك به النجاة والقرآن كذلك ، واللبن غذاء تغذى به الحياة الظاهرة والإسلام غذاء تغذى به الحياة الباطنة ، فهذا كله مثال وليس بمثل ، بل هذه الأشياء لها. والله تعالى لا مثل له لكن له أمثلة محاكية لمناسبة معقولة من صفات الله تعالى ، فإنا إذا عرفنا المسترشد أن الله تعالى كيف يخلق الأشياء وكيف يعلمها وكيف يزيدها وكيف يتكلم وكيف يقوم الكلام بنفسه. مثلنا جميع ذلك بالإنسان ، ولو لا أن الإنسان عرف من نفسه هذه الصفات لما فهم مثاله في حق الله تعالى ، فالمثال في حق الله تعالى جائز ، والمثل باطل ، فإن المثال هو ما يوضح الشيء والمثل ما يشابه الشيء.

فإن قيل : هذا التحقيق الذي ذكرتموه ليس يفضي إلى أن الله تعالى يرى في المنام. بل إلى أن الرسول أيضا لا يرى ، فإن المرئي مثاله لا عينه فقوله : " من رآني في المنام فقد رآني" فهو نوع تجوز معناه كأنه رآني وما سمع من المثال كأنه سمع مني.

قلنا : وهذا ما يريده القائل بقوله : رأيت الله تعالى في المنام لا غير. أما أن يريد به أنه رأى ذاته على ما هو عليه فلا ، فإنه حصل الاتفاق على أن ذات الله تعالى لا ترى وإن مثالا يعتقده النائم ذات الله تعالى أو ذات النبي يجوز أن يرى ، وكيف ينكر ذلك ، مع وجوه في المنامات ، فإن لم يره بنفسه فقد تواتر إليه من جماعة أنهم رأوا ذلك ، إلا أن المثال المعتقد قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا ، ومعنى الصادق أن الله تعالى جعل رؤياه واسطة بين الرائي وبين النبي في تعريف بعض الأمور ، وفي قدرة الله تعالى خلق مثل هذه الواسطة بين العبد وبين اتصال الحق به وهو موجود ، فكيف يمكن إنكاره؟

فإن قيل : إذا كانت رؤية الرسول تجوزا ، فالتجوز مما قد أذن في إطلاقه في حقه ولا يجوز في حق الله تعالى من الإطلاقات إلا ما ورد الإذن به.

قلنا : قد ورد الإذن بإطلاق ذلك. فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : " رأيت ربّي في أحسن صورة" ،