قائمة الکتاب
المضنون به على غير أهله
٣٣٤
إعدادات
مجموعه رسائل الإمام الغزالي
مجموعه رسائل الإمام الغزالي
تحمیل
ولنا أن نصور الشمس له مثالا لما بينهما من المناسبة في شيء واحد ، وهو أن المحسوسات تنكشف بنور الشمس كما تنكشف المعقولات بالعقل فهذا القدر من المناسبة كاف في المثال ، بل السلطان يمثل في النوم بالشمس وبالقمر الوزير ، والسلطان لا يماثل الشمس بصورته ولا بمعناه ، ولا الوزير يماثل القمر. إلا أن السلطان له استعلاء على الكافة ويعم أثره النور ، كما أن الوزير واسطة بين السلطان والرغبة في إفاضة أثر العدل ، فهذا مثال وليس بمثل والله تعالى قال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥]. فأي مماثلة بين نوره وبين الزجاجة والمشكاة والشجرة والزيت؟ قال الله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) [الرعد : ١٧]. ذكر ذلك تمثيلا للقرآن والقرآن صفة قديمة لا مثل له ، فكيف صار الماء له مثالا؟ وكم من المنامات عرضت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من رؤيا لبن أو حبل. فقال : اللبن هو الإسلام ، والحبل هو القرآن إلى أمثال له لا تحصى وأي مماثلة بين اللبن والإسلام والحبل والقرآن إلا في مناسبة ، وهو أن الحبل يتمسك به النجاة والقرآن كذلك ، واللبن غذاء تغذى به الحياة الظاهرة والإسلام غذاء تغذى به الحياة الباطنة ، فهذا كله مثال وليس بمثل ، بل هذه الأشياء لها. والله تعالى لا مثل له لكن له أمثلة محاكية لمناسبة معقولة من صفات الله تعالى ، فإنا إذا عرفنا المسترشد أن الله تعالى كيف يخلق الأشياء وكيف يعلمها وكيف يزيدها وكيف يتكلم وكيف يقوم الكلام بنفسه. مثلنا جميع ذلك بالإنسان ، ولو لا أن الإنسان عرف من نفسه هذه الصفات لما فهم مثاله في حق الله تعالى ، فالمثال في حق الله تعالى جائز ، والمثل باطل ، فإن المثال هو ما يوضح الشيء والمثل ما يشابه الشيء.
فإن قيل : هذا التحقيق الذي ذكرتموه ليس يفضي إلى أن الله تعالى يرى في المنام. بل إلى أن الرسول أيضا لا يرى ، فإن المرئي مثاله لا عينه فقوله : " من رآني في المنام فقد رآني" فهو نوع تجوز معناه كأنه رآني وما سمع من المثال كأنه سمع مني.
قلنا : وهذا ما يريده القائل بقوله : رأيت الله تعالى في المنام لا غير. أما أن يريد به أنه رأى ذاته على ما هو عليه فلا ، فإنه حصل الاتفاق على أن ذات الله تعالى لا ترى وإن مثالا يعتقده النائم ذات الله تعالى أو ذات النبي يجوز أن يرى ، وكيف ينكر ذلك ، مع وجوه في المنامات ، فإن لم يره بنفسه فقد تواتر إليه من جماعة أنهم رأوا ذلك ، إلا أن المثال المعتقد قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا ، ومعنى الصادق أن الله تعالى جعل رؤياه واسطة بين الرائي وبين النبي في تعريف بعض الأمور ، وفي قدرة الله تعالى خلق مثل هذه الواسطة بين العبد وبين اتصال الحق به وهو موجود ، فكيف يمكن إنكاره؟
فإن قيل : إذا كانت رؤية الرسول تجوزا ، فالتجوز مما قد أذن في إطلاقه في حقه ولا يجوز في حق الله تعالى من الإطلاقات إلا ما ورد الإذن به.
قلنا : قد ورد الإذن بإطلاق ذلك. فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : " رأيت ربّي في أحسن صورة" ،